سيطرت قضية الحرب على «داعش» على أعمال «ملتقى أبوظبي الإستراتيجي الأول» الذي يستمر يومين وينظمه «مركز الإمارات للسياسات». وحشدت الإمارات، وهي عضو فاعل في التحالف الدولي ضد «داعش» لهذا الملتقى أكثر من 200 من كبار الخبراء والإستراتيجيين والمعاهد ومراكز البحوث الإستراتيجية القريبة من صنّاع القرار في الدول الكبرى، وفي مقدمها الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن للبحث في القضايا الإقليمية والدولية لعلها تقرّب المسافات بين دول هذا التحالف المنقسمة، وإيجاد جبهة عالمية موحدة في مواجهة الإرهاب. وقال وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي الدكتور أنور قرقاش إن هدف الملتقى «إيجاد استراتيجية موحدة في ظل التشرذم الحالي الذي تعاني منه منطقة الشرق الأوسط والعودة الى القيم الأصيلة ورفض الغلو والتطرف وعدم الاستقرار الناجم عنه». وأكد «الحاجة الماسة إلى العمل الجماعي لمواجهة الأوضاع القائمة»، لافتاً الى أن «الإمارات حذرت منذ سنوات من نمو التهديد الذي يسببه التطرف ومن تبعاته ظهور داعش» . وأضان «إن الضربات الجوية مهمة، ومن المهم أيضاً التنسيق مع كل الدول الفاعلة ونحن في حاجة إلى رؤية استراتيجية وخطة عمل لمجابهة التحديات ومواجهة الإرهاب». وأكد أن «عدم الاستقرار في سورية والعراق يمثل قلقاً لدول المنطقة، واللاجئين من البلدين يمثلون عبئاً كبيراً يثقل كاهل دول الجوار». وشدد على أهمية «مشاركة أو اضطلاع دول الخليج في ايجاد حل للملف النووي الإيراني»، وقال إن ايران «شريك تجاري مهم ولكن سياستها التوسعية تطرح مشكلة ويجب أن تعيد النظر فيها». ونوه قرقاش بأهمية مصر على صعيد الأمن والاستقرار في المنطقة. أما الدكتورة ابتسام الكتبي، رئيسة «مركز الإمارات للسياسات» فقالت إن الهدف من عقد «مُلتقى أبو ظبي الاستراتيجي تحقيق فهم أفضل بين الفاعلين الدوليين والإقليميِّن، وتعزيز جهود صناعة السياسات بينهم والمساهمة في إيضاح المشهديْن الإقليمي والدّولي، ومقاربة خريطة العلاقات الدّوليّة وتحولاتها». وأضافت» «ينطلِق مركز الإمارات للسياسات في تنظيمه الملتقى، واختيار محاوره من أن دول مجلس التعاون، بما لديها من عمق استراتيجي، ليست متأثرةً بالقوى الإقليمية والدوليّة فحسب، بل هي فاعل إقليمي ودولي». ولفتت الى أن «النظام الدولي يمر في حالة سيولة تجلت في جملة من التحولات، منها: تزايد درجة عدم الاستقرار في النظام الحالي وتغيير طبيعة العوامل المحركة للصراعات والنزاعات فيه، والتي لم تعد اقتصاديةً فحسب، وإنما حضارية ودينية وطائفية أيضاً وظهور متغير الأقليات، الذي بات يهدد دولاً كثيرة بظهور حركات انفصالية، أو مطالبات بالاستقلال وتصاعد دور الفاعلين من غير الدول وتشابك دورهم مع مصالح وأهداف قوى إقليمية ودولية». ورسمت الكتبي صورة للمشهد الإقليمي للدول العربية في الشرق الأوسط في السنوات الثلاث الأخيرة تقوم على «تَداخل الثورات مع التحولات الدولية والمشاريع الجيوسياسية وانفجار الجغرافيا السياسية الناتجة عن تفكك الإمبراطورية العثمانية والهندسة الاستعمارية الأوروبية (سايكس - بيكو)، ودخول بعض القوى الإقليمية مثل إيران وتركيا، لاعبًا داخلياً فاعلاً في المنطقة ومؤثرًا في أزماتها وتوازناتها، ودخول المنطقَة في حرب طائفية طويلة، ليست مرشحة للحل السريع، وتجذر فاعلية التطرف الديني في مرحلة الانتقال السياسي، الذي عرفته الدُّول التي شَهِدت ثَورات». وشددت على أن «مواجهة هذه التحديات يتطلب بناءِ نظامٍ إقليميٍّ قائمٍ على التّعاونِ، وحفظِ الأمنِ الجماعيِّ، ووضعِ قواعدَ جديدةٍ، يتَّفقُ عليها الجميعُ لوقفِ تصادُمِ الرُّؤى الأمنيّة للقِوى الإقليميّةِ والدّوليّةِ، والبحثِ عن نقاطِ الالتقاءِ التي تُعزِّزُ التّعاونَ، وتُساهمُ في بناءِ نِظاميْن إقليميٍ ودوليٍ تَقلُّ فيهما الصِّراعاتُ والحروبُ». وأضافت: «لا يَصِحُّ لبَعضِ الدُّولِ الزّعمُ برغبَتها في مُحاربة الإرهاب في الوقتِ الذي تُحفِّزُ سُلوكاتُها في المنطقةِ على بقائِهِ وتَصاعُدِه، كما أنَّها تُنتِج «دواعش» أخرى بلافتاتٍ مختلفةٍ، وتَتبنى مشروعاً جيوسياسياً مذهبياً يَجعلُ بعضَ المجتَمعاتِ تقبلُ أمثالَ «داعش» فحسب، مِن بابِ حِفظِ وجودها». وأكدت أنَ من «أهمِّ التحديات التي تواجه الحملةَ الدّوليّة على «داعش» أنّها حرب غير مُتناظرة، كما أنّ «داعش» وأمثالها من اللاّعبين غيرَ الدول أصبَحت أداةَ صراعٍ غيرَ مستقلةٍ في مُعظمِ البؤرِ السّاخنة، تَتشابَكُ مَصالِحُها وأهدافُها مع قِوى إقليميّة ودوليّة. وعلينا أن نُفكِّر في أخطارِ ما بعد الداعشية». إلى ذلك، جاءت النقاشات والأفكار التي طرحها المشاركون لتؤكد تمسك معظم الدول والتكتلات السياسية الإقليمية والعالمية بمواقفها المعلنة من اسباب بروز التطرف والإرهاب وظهور «داعش» وتشكيل التحالف الدولي لمواجهته. ويمكن المتابع أن يصف المناقشات والأسئلة والردود عليها بأنها نموذج لما يدور في المحافل الدولية من خلال تمسك الباحثين والخبراء بمواقف بلدانهم من مختلف القضايا وتحميل مسؤولية ما يجري الى الطرف الآخر.