ظل موقف الرئيس المكلف تأليف الحكومة تمام سلام محط الأنظار لأن الوسط السياسي يترقب ما إذا كان سيلجأ الى حكومة مصغرة من 14 وزيراً من الحياديين قبل انعقاد الجلسة النيابية بعد غد الأربعاء للبحث في قانون الانتخاب طالما تعذر التوافق على صيغة ال 24 وزيراً التي طرحها بفعل الخلاف على الثلث المعطل مع قوى 8 آذار التي تصر على الحصول عليه فيما يتمسك هو برفضه، وبتوزيع متساوٍ على 3 أثلاث بين 8 آذار و14 آذار والوسطيين. وإذ سعى الإعلاميون وزوار سلام الى الحصول على معلومات منه حول التوقيت الذي يعتمده لإعلان الحكومة المصغرة، فإنه تجنب إلزام نفسه بموعد محدد مؤكداً رداً على التكهنات أنه قد يلجأ الى هذه الخطوة غداً الثلثاء، أو بعد الجلسة النيابية، «فالتوقيت مرهون بعوامل عدة وبالمعطيات وكما ترون الساحة غنية بالمعطيات والأحداث». حتى أن سلام يتجنب أمام هؤلاء الزوار الحديث عن حجم الحكومة المصغرة، 14 كانت أم 16 وزيراً، لكنه يحرص على الرد على وصف حكومة الحياديين المصغرة التي يجري الحديث عن أنه يتهيأ لطرحها بأنها حكومة أمر واقع بالقول: «أنا لست مع حكومة أمر واقع». ويردف قائلاً لهؤلاء الزوار: «أنا أعتبر ان حكومة الأمر الواقع هي حكومة الثلث المعطل». وعن قول نواب من «حزب الله» وقوى 8 آذار إنه إذا لجأ الى حكومة مصغرة من الحياديين بأنها ستكون حكومة مواجهة، أجاب سائليه: «لم أحك في أي مرة بحكومة مواجهة منذ تكليفي وليس هذا تفكيري». كلمة السر الوحيدة وعن تحذيرات صدرت في وسائل الإعلام وفي تصريحات نواب من «حزب الله» وزعيم «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون: أجاب سلام: «نحن بلد حرية، وكل شخص يعطي رأيه، وهذا ليس جديداً، وكل مرجعية لديها أسلوبها في التفكير. والإنسان يأخذ في الاعتبار كل الآراء. أنا نهجي وفاقي والمصلحة الوطنية. سأصوغ شيئاً يريح ضميري وبلدي. هل البلد مرتاح الآن في هذا الوضع؟». وعن توقف الاتصالات مع قوى 8 آذار، قال: «لم أوقف اتصالاتي مع أحد وأنا منفتح على الجميع». وعندما قيل له هل تنتظر عودة رئيس جبهة النضال الوطني النيابية وليد جنبلاط من السعودية لتقدم على خطوة الحكومة المصغرة، أجاب: «أنا على تواصل مع الجميع. وكل مرجعية لها أن تقوم بما تراه مناسباً. وأنا أسعى الى أن أكون على اطلاع على مواقف الجميع». وعن انتظاره كلمة السر من أحد ما، قال: «كلمة السر الوحيدة هي من ضميري. لم أسع الى شيء ولا الى تكليفي، وأنا حر طليق بتفكيري ورأيي وضميري، ما أراه مصلحة لبلدي سأقدم عليه. وفي التنسيق مع الفرقاء حول ما سأقدم عليه البداية تكون مع رئيس الجمهورية». ولما قيل له إن رئيس البرلمان نبيه بري يعتبرك غير وسطي وأنه هو وسطي أيضاً، قال: «هذا رأي الرئيس بري. وإذا أعلن أنه انضم الى الوسطيين، فهذا جيد. ولنوسع حلبة الوسطيين». حكومة غير حزبية مهمتها الانتخابات وتابع: «المهمة الأساسية للحكومة كما قلنا من البداية هي اجراء الانتخابات ورأب الصدع في ظل الانقسام الحاصل عبر السعي الى تضييق مساحة عدم الثقة القائمة بين الفرقاء، ولذلك اعتبرت أنه إذا جئنا بحكومة تنتقل المتاريس اليها، فكيف نرأب الصدع؟ ومن البداية سعيت الى حكومة من غير الحزبيين، لكن ليست بعيدة عن القوى السياسية، وهناك شخصيات تتوافر فيهم هذه الصفات. وقلت نريد حكومة منسجمة وتنتج في الفترة القصيرة التي ستتولى خلالها الحكم. وهي لا تنطبق على هذه المواصفات إذا نقلنا المتاريس اليها». أمطره الزوار بالأسئلة من نوع أن الحكومة البديلة لصيغة ال24 وزيراً، أي المصغرة، ستكون متراساً في وجه الآخرين، فرأى أن أي حكومة تمثل فريقاً سياسياً واحداً، ينطبق عليها هذا الوصف حتماً، لكن إذا لم تضم أي فريق سياسي فكيف تكون متراساً مع الآخرين، كان طموحي أن يتمثل الفرقاء السياسيون بغير الحزبيين وبصيغة 8+8+8، لكن هذا لم يلق التجاوب. وقلنا إنه إذا استقال 8 وزراء من فريق معين فأنا سأستقيل، ولذلك لا ضرورة للثلث المعطّل فيها. وإذا كانوا يسمونه الثلث الضامن، فأنا الضامن طالما قلت إنني أستقيل معهم إذا قرروا مغادرة الحكومة، فلماذا التفتيش عن ربع وزير أو نصف وزير ليصبحوا 9 وزراء، طالما رئيس الحكومة يضع نفسه بالتصرف؟ وعن الربط بين تشكيل الحكومة وقانون الانتخاب، شرح سلام للزوار أن الدستور ينص على فصل السلطات والتأليف شيء والاتفاق على قانون الانتخاب شيء آخر، لكن إذا تألفت الحكومة فهذا يؤثر معنوياً في إقرار قانون الانتخاب. أما بالنسبة الى تأجيل الانتخابات، فأنا قلت إنه إذا كان هناك تمديد للبرلمان سنتين فليأتوا بحكومة تحكم سنتين (بمعنى أنه يعتذر عن قبول المهمة) لأنني أعلنت ان الحكومة لإجراء الانتخابات. وتقول مصادر سلام إن حكومة ال 14 وزيراً التي قد يلجأ اليها لا تمثيل سياسياً فيها، خلافاً لحكومة ال24، وستكون أقرب الى التكنوقراط وترفض الدخول في الأسماء وتؤكد أن الرئيس المكلف لم يطلع أياً من مساعديه عليها إذا كانت موجودة. بل هي تنسب الى سلام قوله رداً على الحملة التي تتناول مشروع هذه الحكومة وشملت في بعض وسائل الإعلام تهديدات مبطنة حول الأمن في منطقة الجبل: «هل ممنوع أن يقوم المرء بشيء ينم عن الحيادية في البلد؟ هل يجب أن يكون المرء مع فريق ضد الآخر حتى يمشي الحال؟». وقالت مصادر سلام إنه يريد تحييد هموم الناس ومصالحها ومشاغلها عن الاستقطاب السياسي والناس تريد متنفساً وحكومة تعيد اليها الأمل ويجب إراحة المواطنين بدل توسيع مساحة عدم الثقة القائمة حالياً. هل يسأل نصرالله عن موقف الحكومة؟ ورداً على سؤال حول عدم أخذ سلام في الاعتبار الصراع الدائر في المنطقة وقول الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصرالله إن اتجاهات الريح تتغير بفعل الواقع الميداني السوري، تقول مصادر سلام: «السيد نصرالله حين يأخذ موقفاً، هل يسأل عن موقف الحكومة؟ ما نشهده من تداعيات في المنطقة وتطورات تضعها على حد السكين والدول تبحث في مؤتمر دولي وتناقش كيف يقسمون نفوذهم. وهذه أسباب إضافية لتكون الحكومة حيادية فتدير البلد لفترة قصيرة بعيداً من التجاذبات والضغوط الإقليمية. فالحكومة السابقة قررت اعتماد سياسة النأي بالنفس، لأن هناك تجاذباً بين الفرقاء اللبنانيين حول الأزمة السورية. لكن هؤلاء لم يلتزموا بها. إذا سعينا لتحييد الحكومة عن ذلك وترك لها أن تمارس النأي بالنفس، ألا يخفف ذلك من تداعيات المنطقة على البلد؟ وإذا كانت اتجاهات الريح تتغير الآن سواء كانت الحكومة من سياسيين مقربين من الأطراف أو كانت من حياديين، فإنهم سيتخذون الموقف الذي يريدون (قوى 8 آذار و «حزب الله») من القضايا المصيرية ولم ولن يسألوا عن موقف الحكومة. فلنجنب الحكومة مشقة أن تكون مع هذا أو ذاك في شأن الوضع الإقليمي». الصعوبات المتوقعة إلا أن مصادر سلام تتوقف عند أمرين في شأن الصعوبات التي تواجه حكومة ال 24 وزيراً من السياسيين غير الحزبيين، والاعتراضات على إمكان لجوء سلام الى حكومة ال 14 وزيراً من الحياديين: 1 - إذا كان فريق 8 آذار يصر على الثلث المعطّل، فلأنه يخشى من أن يأتي التصويت في مجلس الوزراء في القضايا الأساسية من غير ما يشتهيه. فلماذا لا يطرح على سلام هذه القضايا بدلاً من الإصرار على الثلث + 1 سواء كانت متعلقة بمسألة المواجهة مع إسرائيل، أم بالتعيينات (تحتاج ثلثي أعضاء مجلس الوزراء) في المراكز الحساسة للتفاهم عليها؟ والمطروح كاستحقاقات يتعلق بنهاية ولاية قائد الجيش ومدعي عام التمييز ومناصب أمنية أخرى. والرئيس سلام ليس متهالكاً على حصة في التعيينات وسبق أن قال إن ما يحصل عليه خلاف نضعه جانباً. وكشفت المصادر ل «الحياة» أن سلام نفسه كان سأل الوزير علي حسن خليل والحاج حسين خليل حين التقاهما الأحد في 5 أيار (مايو) وممثلي 8 آذار قبلهما، أن يطرحوا عليه المواضيع التي لديهم هواجس في شأنها أوجبت مطالبتهم بالثلث المعطل «لنناقشها بشفافية ووضوح». 2 - جميع من سمّوا سلام لرئاسة الحكومة بمن فيهم قوى 8 آذار قالوا انها حكومة انتخابات، «والآن النقاش يدور على الثلث المعطّل كأن إجراء الانتخابات لم يعد أولوية». وتطرح المصادر نفسها الريبة حول ما إذا كان إغراق الوسط السياسي بهذا السجال هدفه التغطية على نية عدم اجراء الانتخابات في وقت قريب، خصوصاً ان السيد نصرالله قال إنه لا يريد الفراغ في السلطة التشريعية، لكنه قال أيضاً إن لا اتفاق مع حلفائه على القانون البديل للمشروع الأرثوذكسي الذي سيؤيده. وهذا يحتمل إمكان تأجيل مديد للانتخابات بحجة انتظار الاتفاق على هذا البديل. فهل الاعتراضات على قيام حكومة حياديين هدفها الحؤول دون وجود حكومة جاهزة لإجراء الانتخابات في أقرب فرصة؟ وتختتم المصادر بالقول: إذا كانت الحملة على حكومة حيادية هي محاسبة على النيات، وهذا غير منصف على الإطلاق، فإن المحاسبة واجبة على النيات التي تقف وراء هذه الحملة.