تتدافع الاستحقاقات على الطبقة السياسية اللبنانية، من بداية الأسبوع المقبل، وتحديداً من يوم الثلثاء، بعد انتهاء عطلة عيد الفصح المجيد عند الطوائف المسيحية الشرقية، حتى نهاية الأسبوع الذي يليه في 19 أيار (مايو)، حين تنتهي فترة تعليق المهل للترشح للانتخابات النيابية وفق القانون المعمول به حالياً، المسمى قانون الستين أو قانون الدوحة الذي ترفضه قوى كثيرة. وبين التاريخين، هناك استحقاق وعد رئيس البرلمان نبيه بري بعقد جلسة نيابية قال إنه سيبقي خلالها النواب ليل نهار في مقر البرلمان حتى يتوصلوا الى توافق على قانون انتخاب جديد، على رغم التشاؤم في إمكان التوصل الى هذا التوافق، بفعل تباعد المواقف بين الكثير من القوى السياسية، خصوصاً أن أوساطاً عدة تربط التوافق على قانون الانتخاب بالاتفاق على مدة تأجيلها، لا سيما القوى الفاعلة في قوى 8 آذار، فيما ترى أوساط أخرى في قوى 14 آذار أن الاتفاق على مدة التأجيل يجب أن يتم بعد التوافق على قانون الانتخاب. إلا أن تاريخ 15 الجاري يطرح أيضاً استحقاقاً آخر على الطبقة السياسية وفي طليعتها الرئيس المكلف تأليف الحكومة تمام سلام، الذي وعد بموقف حاسم إذا تأخر التأليف الى هذا التاريخ. ومع استمرار موقف سلام وقوى عدة برفض الربط بين تأليف الحكومة والاتفاق على قانون الانتخاب، فإن الربط بين عدم التوصل الى قانون انتخاب جديد وبين الموقف الحاسم لسلام حيال تأخير تسهيل مهمته في التأليف، يعود الى أنه إذا لم يتوصل الأطراف الى قانون انتخاب جديد منتصف الشهر، فهذا سيكون مؤشراً أكيداً الى أن هناك نية للتسبب بفراغ في السلطة التشريعية، أو أن هناك نية بتأجيل مديد للانتخابات، فيما هو آلى على نفسه في تصريحات علنية أنه سيعتذر عن مهمة التأليف إذا وجد أن مهمة إجراء الانتخابات في أقرب وقت لن تتحقق، وبالتالي لا مبرر لبقائه. وبالإضافة الى ذلك، فإن أوساط سلام لا تخفي أنه بدأ يبدي امتعاضه من الشروط التي توضع في وجهه لجهة التركيبة الحكومية التي يقترحها، على أن وظيفتها الأساسية إجراء الانتخابات، ولذلك يجب أن تكون من غير المرشحين وغير الحزبيين وغير المستفزين لأحد ومن دون ثلث معطِّل لأي فريق مع المداورة في الحقائب الوزارية بين الطوائف والمذاهب. ويدور النقاش الداخلي في صفوف القادة الرئيسيين حول ما سيكون عليه موقف سلام إذا اقترب منتصف الشهر من دون أن يتمكن من تشكيل الحكومة. وإذا كان سلام أكد مجدداً أمس أنه لن يقدم على خطوة تشكيل حكومة أمر واقع، وكذلك رئيس «جبهة النضال الوطني» النيابية وليد جنبلاط الذي يتوقف عليه حصول حكومة كهذه على الثقة النيابية، فإن الخيار الباقي لدى سلام، افتراضاً، هو الاعتذار عن عدم تأليف الحكومة إذا استُبعد نهائياً خيار إعلان حكومة وفق المبادئ التي التزم بها، خصوصاً أنه أبلغ رئيس الجمهورية ميشال سليمان والكثير من القوى السياسية أنه يضع نصب عينيه منتصف الشهر تاريخاً لحسم الموقف من تأليف الحكومة. خطاب نصر الله وتصريف الأعمال وتقول أوساط سلام إنه قال لوفد قوى 8 آذار الذي التقاه مساء الثلثاء الماضي، في معرض طلبه جواباً منها على طروحاته وطمأنته لها بأنه يشكل ضمانة للمقاومة مع الفريق الوسطي في الحكومة في شكل يُغني عن مطالبتها بتسعة وزراء، أي الثلث زائداً واحداً، إن «الوقت ليس مفتوحاً» لحسم مسألة تأليف الحكومة، وفي ذهنه أنه سيعلن موقفاً ما قبل 15 الجاري، وبناء على هذه المعطيات طرح السؤال في الأوساط القيادية الضيقة لبعض القوى المعنية بتأليف الحكومة حول ما العمل إذا اعتذر سلام، هل تعاد تسميته مجدداً من قوى 14 آذار وجنبلاط، وهل تعيد قوى 8 آذار تسميته؟ هل يتم اللجوء الى تسمية الرئيس نجيب ميقاتي مجدداً إذا كانت قوى 14 آذار ما زالت على رفضها عودته، أم أن الأخيرة ستغيّر موقفها من هذا الخيار؟ والنقاش حول هذه الخيارات لم يتوصل الى أجوبة واضحة في ظل اعتقاد بعض الأوساط أن الأمور قد لا تصل الى هذه الدرجة، وأن توقع الاعتذار هو استباق للأمور، لأن سلام قد يمدد فترة البحث في التأليف بناء لطلب وإلحاح قوى سمّته... وإذ تشير مصادر متابعة لهذا النقاش الذي جرى على نطاق ضيّق، الى ان سبب حصوله هو تقدير الأوساط التي خاضت فيه أن فريق 8 آذار، ولا سيما بعد كلمة الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصرالله الذي أطلق مرحلة جديدة عنوانها دخول الحزب وحلفائه الحرب المفتوحة والشاملة في سورية الى جانب نظام الرئيس بشار الأسد، لا يحبذ قيام حكومة تناقض سياسته، في هذه المواجهة الحساسة التي يخوضها الحزب ويعطيها بعداً إقليمياً، خصوصاً إذا كانت ستستند الى إعلان بعبدا وسياسة النأي بالنفس، التي دعا نصرالله الى ألا يختبئ البعض وراء إصبعهم، في إشارته غير المباشرة الى رفضه إياها. وبالتالي، فإن شروط 8 آذار الحكومية مرتبطة بتلك المواجهة التي يخوضها الحزب وحلفاؤه في سورية وليست مجرد إصرار على حصص، بل سياسة تقوم على تأجيل الانتخابات لفترة مديدة والقبول باستمرار الوضع الحكومي على حاله، فتبقى حكومة ميقاتي تصرف الأعمال وتستمر قوى 8 آذار في الإمساك بالحقائب الوزارية الرئيسة، فلا تعاكس سياسة الحزب في سورية ولا سيما الخارجية. «الأرثوذكسي» والترشيحات إلا أن الأسئلة المطروحة في الوسط السياسي اللبناني حول الاستحقاق الانتخابي لا تقل حراجة عن تلك المتعلقة باحتمال حصول الفراغ الحكومي. فمداهمة الوقت للطبقة السياسية أخذت تطرح في الأوساط الضيقة إياها الاحتمالات كافة. وذهب البعض الى حد التساؤل، ربطاً لأحد الاستحقاقين بالآخر، إذا لجأ سلام الى حكومة وفق المعايير التي وضعها تتمثل قوى 8 آذار فيها بمقربين منها، بعد رفضه مطالبها، ووافق الرئيس سليمان على توقيع مرسومها ولم يعترض جنبلاط عليها بما يعني استعداده لتأمين أكثرية منحها الثقة النيابية، تفادياً للفراغ، هل ترد قوى 8 آذار بنسف الجلسة النيابية المخصصة لقانون الانتخاب في 15 الجاري أم ترد بأن يدعو الرئيس بري الى الجلسة للتصويت على اقتراح قانون اللقاء الأرثوذكسي، بحيث يحرج بذلك القوى المسيحية في 14 آذار التي كانت وافقت على هذا المشروع (القوات اللبنانية والكتائب) والذي أخذت تتردد حياله الآن؟ وبصرف النظر عن الاستحقاق الحكومي، فإن الأوساط الضيقة التي ناقشت الاحتمالات بالنسبة الى قانون الانتخابات طرحت السؤال في اجتماع رفيع المستوى: «إذا لم ينعقد البرلمان في 15 الجاري، أو إذا عقدت الجلسة من دون أن يحصل الأرثوذكسي على الأكثرية ومن دون توافق على البديل، فإن هذا يعيد الجميع الى جعل قانون الستين (أو قانون الدوحة) ساري المفعول مرة أخرى، في ظل ترديد أكثر من فريق، حتى من الذين سبق أن عارضوه من القوى المسيحية، أن إجراء الانتخابات على قانون سيئ أفضل من عدم إجرائها وتأجيلها لمدة طويلة. وهذا يعني أن بلوغ تاريخ 19 الجاري (انتهاء مهلة تعليق الترشيحات على أساس القانون الساري المفعول) سيطلق عملية الترشح التي يفترض أن تنتهي مهلتها بعد 3 أيام من ذلك التاريخ، حيث ستسعى القوى السياسية الى الحؤول دون ترك خصومها يترشحون من دونها ويفوزون قانونياً بالتزكية إلا إذا شهد الامتناع عن الترشح لدى طوائف معينة موجة جارفة تنشئ مأزقاً ميثاقياً... وهذا متعذر. الحلقة المفرغة بين الحكومة والقانون لكن هذه الأوساط تسترسل في طرحها الأسئلة حول المآزق التي تسببها مداهمة الوقت للجميع: إذا بات قانون الستين نافذاً مجدداً، من دون أن تتشكل حكومة جديدة، هل تستطيع حكومة تصريف الأعمال اتخاذ الإجراءات المطلوبة لضمان حصول الانتخابات، إذا كانت الأكثرية فيها ضد إجرائها بحجة إضافية لديها هي رفضها قانون الستين. فالسير عملياً بالانتخابات يتطلب قانونياً قرارات من مجلس الوزراء بصرف موازنة العملية الانتخابية، وبتشكيل هيئة الإشراف على الانتخابات، وثالثاً بتشكيل لجان القيد من القضاة بمرسوم يوقعه وزير العدل الذي هو من «التيار الوطني الحر» (شكيب قرطباوي)، فهل هذا ممكن إذا عاد قانون الستين الى الواجهة؟ يوحي هذا الكم من الأسئلة وغيرها الكثير من المآزق المتعددة التي قد تبلغها الطبقة السياسية في ظل فراغ حكومي وغياب التوافق على قانون الانتخاب أن مخاطر الفراغ في السلطتين باتت تتطلب تسوية بين الأطراف لا تبدو أنها قادرة حتى الآن على التوصل اليها. هذا ما دفع مصدراً سياسياً نيابياً متابعاً لتفاصيل المآزق والعقد المتعددة الى القول إن البلد في حال من انعدام الوزن كلياً ومتروك لتواجه مؤسساته مصيراً بائساً، والطامة الكبرى هي حول مدى قدرة الطبقة السياسية على الاتفاق على التمديد للبرلمان: 6 اشهر، سنة، سنتين أو أكثر، مخافة الوصول الى تاريخ نهاية ولايته في 19 حزيران (يونيو) المقبل، من دون إجراء الانتخابات، ما يعني الفراغ والشلل الكامل.