يقرأ بعض المحللين في اختيار الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد احد قادة الحرس الثوري (أحمد وحيدي ) ليكون وزيرا للدفاع بأنه اختيار ينذر بأزمة جديدة مع المجتمع الدولي. فوحيدي الملاحق من الشرطة الدولية «الإنتربول»، لإتهامه في تفجير المركز اليهودي في بيونس أيرس عام 1994 تطالب الأرجنتين بتسليمه، فيما ابدت واشنطن» انزعاجها لاختيار نجاد شخصاً يشتبه بأنه إرهابي دولي» على رأس وزارة الدفاع. ووزير نجاد الجديد ليس أول مسؤول إيراني ملاحق دولياً، فقد أصدر «الإنتربول» في 17 تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2007 قراراً بتوقيف واحضار خمسة مسؤولين إيرانيين في مقدمتهم علي فلاحيان وزير المخابرات السابق، ومحسن رضائي القائد السابق للحرس الثوري، وأحمد وحيدي قائد الجناح الدولي «وحدة القدس» في الحرس وتضم قائمة المطلوبين أيضاً رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني، وهو ما جعل مسؤولين إيرانيين يحذرون من هذا الإختيار ويرون أن نجاد لديه من الأزمات ما يكفي سواء في الداخل أو الخارج ولم يكن من الصواب إضافة واحدة جديدة وبهذا الحجم. لكن قراءة أخرى لإختياره تضع القضية في إطار الدور الذي عاد ليلعبه الحرس الثوري في السياسة الداخلية والخارجية لإيران. نجاد الذي يعرف أن وزيره لن يكون بمقدوره السفر إلى الخارج وسيكون ملاحقاً في 186 دولة أراد أن يوجه رسائل عدة إلى الخارج، أولها: أنه لن يحدث تغييراً في السياسية الخارجية لحكومته بفعل الضغط الذي أوجدته الأزمة الداخلية التي أعقبت اعادة انتخابه رئيساً، وأن على الغرب أن يوقف رهانه على ما يمكن أن تحدثه المعارضة من تأثير. وربما يختصر ما قاله وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي الشكل الذي ستكون عليه العلاقة في المرحلة الجديدة من السياسة الخارجية لبلاده: «بإنتخاب نجاد مجدداً هناك حقائق جديدة على الغرب في المرحلة القادمة أن يتأقلم معها». وإيران تنفي الإتهامات الموجهة لمسؤوليها، واتهمت الناطق باسم وزارة خارجيتها حسين قشقاوي القضاء الأرجنتيني ب «عدم النزاهة وتلقي الرشوة» ليزج بأسماء مسؤولين إيرانيين في هذه القضية. وإن كان وحيدي يعرف بأنه «إرهابي» فهو في إيران يوصف ب «المجاهد، المخلص لتعاليم الإسلام». وفي الوقت الذي يقرن فيه الغرب بشكل اتهامي بين وحيدي وعماد مغنية، فإن طهران تصف هذه العلاقة بأنها «أخوة سلاح وجهاد ومقاومة وشهادة». لكن الأهم الذي يكشف عنه تعيين نجاد لوحيدي بشكل جوهري، في ما يكمن فيما يمكن وصفه باستعادة الأجواء التي سادت في الأيام الأولى للثورة، وهذه الإستعادة ليست جديدة وإن كانت تجلت بشكل واضح في الأحداث التي اعقبت الإنتخابات الرئاسية، وليس مجازفة القول أن هذا المسار في العلاقة مع الخارج يمكن ارجاعه الى التغيير الذي أجري في قيادة الحرس الثوري عام 2007. وعودة إلى ذلك العام فقد وصف تعيين محمد على جعفري قائداً جديداً للحرس الثوري الايراني ليحل مكان يحيي صفوي كأكبر تغيير طال الحرس الثوري منذ عشر سنوات. وشكل ذلك بداية الجيل الثالث من عمر هذه المؤسسة التي تعد الأهم في إيران. ومر على الحرس الثوري منذ تأسس بمرسوم اصدره آية الله الخميني عام 1978 وضمن اقسام مختلفة اجتماعية وسياسية ثلاثة اجيال وذلك بالنظر الى فكره الأيدولوجي. ففي السنوات الأولى لتشكيله - وهنا ترد اسماء لشخصيات لها بصمات مؤثرة في مسيرته من امثال محسن آرمين وهاشم اقاجري ومحمد ذو القدر ومحسن رفيق دوست ويحيي رحيم صفوي - كانت مسؤوليته الأصلية الحفاظ على الثورة والتصدي لاعدائها، ثم ما لبثت ان بدأت الحرب العراقية - الايرانية والتي لعب الحرس الثوري فيها دوراً مؤثراً عزز من مكانته داخل المجتمع وبنية الدولة الايرانية، ومع نهاية الحرب كان الحرس الثوري يدخل مرحلة جديدة من تاريخه. ومع استقالة رضائي ومجيء يحيى صفوي تركز جهد الحرس الثوري بشكل مكثف على التعافي من خسائر الحرب فشارك في اعادة الاعمار والتخطيط، وهو ما فتح الباب شيئاً فشيئاً امام دخوله الى ساحة النشاط الاقتصادي، وعلى صعيد تعزيز البنية النظامية اضطلع الحرس الى جانب وزارة الدفاع برسم الخطط المتعلقة بالتسليح الدفاعي وبالتدريج تحول بقيادة صفوي من مؤسسة ايديولوجية الى مؤسسة عمل وتنفيذ. ومع نهاية فترة حكم الاصلاحيين تنحت مجموعة من شخصيات الحرس ودخلت الى معترك الحياة السياسية عبر بوابة انتخابات مجلس الشورى، واليوم يوجد عدد يحسب له الحساب ممن كانوا في صفوف الحرس الثوري يحتلون مناصب هامة في مؤسسات الدولة وفي مجلس الشورى. وإضافة الى دخول عدد منهم الى ساحة العمل السياسي اتجهت مجموعة اخرى الى الميدان الاقتصادي ولم تمنع هذه التحولات استمرار فئة واسعة من الحفاظ على الدور الاساسي الذي قام من اجله الحرس الثوري بعنوان» المدافع عن الثورة والحامي لارض واستقلال ايران»، وكل ذلك مع استمرار استقلاله كمؤسسة تتبع لقيادة الثورة مباشرة وتتمتع بامتيازات تفوق تلك المعطاة للجيش. أما المرحلة الثالثة والمستمرة إلى اليوم فقد بدأت بالتزامن مع السعي الاميركي لادراج الحرس الثوري في قائمة الارهاب من ناحية وتزايد الضغوط الغربية والاوروبية بشأن ملف ايران النووي والتهديد بفرض عقوبات عليها من ناحية اخرى ما يجعل الجيل الثالث من الحرس شبيها بالجيل الأول منه مع الاقرار بوجود اختلافات في التوجه الايديولوجي والنظر لروح الثورة بين الجيلين اضافة الى ان الظروف التي حكمت ايران والمنطقة في بدايات الثورة ليست تلك التي تحكمها اليوم. ومع ذلك ليس مجازفة اليوم الحديث عن دور اكبر ل «الحرس» في السياسة الداخلية والخارجية لإيران.