فجّر ظهور الرئيس المصري السابق حسني مبارك أمس في أولى جلسات إعادة محاكمته غضباً عارماً لدى معارضيه من القوى الثورية وفرحة طاغية في نفوس مؤيديه، بعدما بدا منتشياً وصاحياً واثقاً من ذاته، يرد تحية المؤيدين بابتسامات عريضة وتلويح طويل. وكانت أولى جلسات إعادة محاكمة مبارك ونجليه علاء وجمال ووزير داخليته حبيب العادلي وكبار مساعديه في قضية قتل المتظاهرين ووقائع فساد عقدت أمس، لكن رئيس المحكمة المستشار مصطفى حسين أعلن تنحيه عن النظر في القضية «لاستشعاره الحرج» بسبب إصداره من قبل أحكاماً بالبراءة في القضية المعروفة إعلامياً ب «موقعة الجمل». وبذلك يبدأ فصل جديد في «محاكمة القرن» في مصر، إذ ستتم إعادة ملف القضية إلى محكمة استئناف القاهرة لتحدد دائرة جديدة للنظر فيها، وموعد بدء الجلسات، وهي الخطوة التي قد تستغرق شهراً. وعلمت «الحياة» أن النيابة المصرية ضمّت إلى ملف القضية مذكرة بأدلة جديدة، استندت فيها إلى تقرير لجنة تقصي الحقائق التي كان شكّلها الرئيس محمد مرسي عقب توليه السلطة، وكان ينتظر أن يتلو ممثل النيابة تلك الأدلة والاتهامات، إضافة إلى قرار إحالة «تكميلي» للاتهامات وقرار الإحالة الرئيسي في القضية، لكن قرار رئيس المحكمة التنحي عطّل تلك الإجراءات. وأفيد أيضاً أن النيابة ستطلب استدعاء شهود جدد في القضية، لكن من المستبعد أن تضم متهمين آخرين. وعلم أن هيئة الدفاع عن شهداء ومصابي الثورة ستطلب من المحكمة تكليف أجهزة الدولة السيادية (الاستخبارات والأمن الوطني)، تقديم ما لديها من وقائع، بعدما كانت المحكمة الأولى انتقدت عدم تعاون أجهزة الدولة في القضية. وبدا أن ظهور مبارك أمس وقد تحسنت حالته الصحية، دفع النيابة المصرية إلى مخاطبة مستشفى المعادي العسكري القابع فيها للعلاج منذ أشهر، لموافاتها بتطورات حاله الصحية والوضع الطبي له، للبحث في إمكان إعادته إلى محبسه في سجن طرة أو مستشفى السجن. وظهر مبارك ونجلاه مبتهجين واثقين، بعدما كانوا أظهروا استسلاماً واستياء في الجلسات السابقة التي جمعتهم في قفص الاتهام، فيما تحوّل تماسك وزير الداخلية السابق حبيب العادلي إلى ما يشبه الاستسلام بالواقع. وكان مبارك ونجلاه والعادلي ومساعدو وزير الداخلية السابق الستة أودعوا أمس قفص الاتهام لبدء وقائع إعادة محاكمتهم، بعدما قضت محكمة بتبرئة علاء وجمال مبارك والمساعدين الستة، فيما قضت بسجن مبارك والعادلي 25 عاماً. وجلس مبارك الذي كان نزل من سيارة الإسعاف ممدداً على سرير طبي، في القفص معتدلاً، وقد طرأ تحسن ملحوظ في وضعه الصحي واسترد جزءاً من عافيته، فيما انخرط في تحية مؤيديه في قاعة المحكمة أكثر من عشر مرات، ملوحاً لهم بيده. وفيما كان مبارك ونجلاه يتبادلون أطراف الحديث الباسم، ومساعدو العادلي يتحاورون من حين لآخر، ظهر العادلي وحيداً في وجوم وحزن واستسلام لمصيره، ولم يبتسم أو ينطق ببنت شفه، إلا حين استدار للخلف وتحدث بكلمات قليلة لرئيس مباحث أمن الدولة السابق حسن عبدالرحمن قبل أن يعتدل ويتجهم مجدداً، وينشغل في تدوين كلمات في دفتر بحوزته. وكان مئات من أنصار مبارك توافدوا على ساحة المحكمة، رافعين صوره، ولافتات مناصرة له، ولوحظ زيادة عددهم مقارنة بمعارضيه وأهالي الشهداء ومصابي الثورة الذين ظلوا يرددون هتافات مطالبة ب «القصاص».