أدلى حوالى 14 ألف قاض ومدع عام أمس، بأصواتهم في الجولة الثالثة والنهائية من انتخابات الهيئة العليا للقضاة والمدعين، والتي تُعتبر المعركة الأكثر أهمية وشراسة بين الحكومة وجماعة الداعية فتح الله غولن التي يتهمها الرئيس رجب طيب أردوغان بالتغلغل في مؤسسات الأمن والقضاء والسعي الى إسقاط حكومته، من خلال اتهامها بالفساد بأدلة وتسجيلات صوتية «مزورة». وكانت الحكومة نشطت في تصفية آلاف من رجال الأمن والشرطة، لاتهامهم بالانتماء إلى الجماعة، من دون دليل مادي أو تحقيق معهم، وتعمل الآن على تصفية من تبقّى منهم في القضاء والنيابة العامة، لأن الهيئة العليا للقضاة والمدعين هي الجهة الوحيدة المخوّلة تعيين القضاة ووكلاء النيابة، أو نقلهم أو طردهم، ويُفترض أن تكون محايدة وغير تابعة للحكومة. وتضم الهيئة 22 عضواً، يعين 4 منهم الرئيس ووزير العدل ومستشاره، وتعيّن أكاديمية القضاء أحدهم، فيما يُنتخب 15 منهم مباشرة من القضاة والمدعين. وكانت الجولتان الأولى والثانية من الانتخابات، أسفرتا عن فوز 4 مرشحين من القوائم المحسوبة على جماعة غولن وآخر مستقل. وإذا فاز 6 على الأقل من مرشحي الجماعة من 10 في الانتخابات الأخيرة، سيكون صعباً جداً على الحكومة فرض أجندتها على الهيئة التي تتخذ قراراتها بالتصويت والغالبية. وتضمّ قوائم المرشحين المحسوبين على جماعة غولن، قضاة أصدروا أحكاماً في قضايا تنظيم «أرغينيكون» الانقلابي ومؤامرة «المطرقة» وقضايا خطط انقلابات عسكرية، فيما تسعى الحكومة إلى دعم تيار قومي وآخر متديّن في الانتخابات، وجزء من العلمانيين الذين عانوا سابقاً من تصرّفات جماعة غولن. وكانت قيادات في حزب «العدالة والتنمية» الحاكم هدّدت بعدم الاعتراف بنتائج الانتخابات، إذا فاز فيها تيار غولن، إذ توعّد نعمان كورتولمش، نائب رئيس الوزراء، بتقديم تعديل دستوري لإعادة صوغ الهيئة العليا للقضاة والمدعين، في حال سيطر عليها تيار «الدولة الموازية»، كما يُطلق الحزب الحاكم وأعوانه على جماعة غولن. لكن رئيس نقابة المحامين متين فيزأوغلو حذّر من التلاعب في الانتخابات وتسييس القضاء، سواء لمصلحة غولن أو الحكومة، قائلاً: «لا يمكن القول بعد الآن إن القضاء نزيه ومحايد في تركيا». معلوم أن الحكومة أقدمت بعد فضيحة فساد كبرى طاولت وزراء في حكومة أردوغان في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، على حلّ الهيئة العليا للقضاة والمدعين، بقانون اعترضت عليه المحكمة الدستورية وألغته بعد 3 أشهر من صدوره، ما استدعى التحضير لانتخابات جديدة للهيئة. لكن الأشهر الثلاثة التي مرّت كانت كافية لتغيّر الحكومة جميع المحققين والمدعين والقضاة الذين عملوا على قضية الفساد، ما أدى إلى تغيير مسار القضية في شكل كامل وإطلاق جميع المتهمين.