تدخل تركيا عام 2014 أجواء سباق خطر، يفوق أهمية سباق الانتخابات البلدية في آذار (مارس) المقبل، وتخوضه حكومة رجب طيب أردوغان وجماعة الداعية فتح الله غولن، كلّ من أجل إطاحة الآخر. وتستعد الحكومة ل «مفاجآت جديدة» في التحقيق بفضيحة الفساد، فيما تأمل الجماعة بحسم الصراع بالضربة القاضية. وبعدما تعهد أردوغان «تطهير» مؤسسات الدولة من أتباع غولن الذين وصفهم ب «عصابة» و «دولة داخل الدولة»، أبعد أهم محقق في قضية الفساد التي تطاول وزراء، هو وكيل النيابة معمر أكاش الذي اتُهِم بتسريب معلومات عن القضية لوسائل إعلام والتصرّف في شكل غير محايد. وكان أكاش أصدر بياناً أكد تعرّضه لضغوط ومضايقات، لافتاً إلى أن الحكومة منعته من توسيع التحقيقات وشنّ حملة اعتقالات جديدة. وعلّق على قرار إبعاده، نافياً تسريبه معلومات عن التحقيق إلى الإعلام، ومجدداً اتهامه الحكومة بمحاولة التستر على الاتهامات والتدخل في التحقيق. وبذلك يبقى ثلاثة محققين من وكلاء النيابة يعملون على القضية، اثنان منهم عيّنتهم الحكومة بحجة الإسراع في التحقيق، ما أثار تكهنات في وسائل إعلام بأن مسار التحقيقات سيتغيّر، بعدما سيطر عليه محققون قريبون من الحكومة، خصوصاً أن قرارات التوقيف والاعتقال تُتخذ بغالبية الأصوات بين المحققين الثلاثة. وفيما خسرت جماعة غولن وكيل نيابة وحوالى 600 رئيس شعبة أمن وشرطة أطاحت بهم الحكومة وأبدلتهم بمقرّبين منها، ما زال لدى الجماعة أسلحة في المعركة، هي تسجيلات صوتية ومرئية كثيرة لمسؤولين التُقطت سراً خلال السنوات الماضية. واتهم وزير الداخلية الجديد أفكا ألا الجماعة باستخدام جهاز استخبارات الأمن لتحقيق هذا الهدف، مضيفاً أن الحكومة «تستعد لمفاجآت جديدة» من تسريب تسجيلات صوتية ومرئية هدفها حشر السلطات. أما جماعة غولن فتراهن على إحداث اختراق في صفوف رجال الشرطة المعينين حديثاً، ليشنّ محقق اعتقالات خاطفة تطاول نجلاً لأردوغان، ما يتيح حسم الصراع بالضربة القاضية، فيما يسعى رئيس الوزراء إلى سد الثغرات ومنع أي حملات اعتقال أو تحقيق جديدة من دون علمه. لكن النزف يستمر داخل حزب «العدالة والتنمية» الحاكم، مع استقالة نائب ثامن هو حسن حامي يلدرم الذي أعلن انه أقدم على هذه الخطوة احتجاجاً على أسلوب تعامل الحكومة مع فضيحة الفساد وتطهيرها أجهزة الأمن، من دون أي دليل أو إثبات على علاقة أعضائها بجماعة غولن. كما تراجعت الحكومة عن فتح باب إعادة محاكمة عسكريين دينوا لاتهامهم بالتخطيط لانقلاب، بعدما أثار الأمر ردود فعل سلبية لدى ناخبي الحزب الحاكم. وكانت قيادات من الحزب أشارت إلى إمكان إعادة محاكمة هؤلاء، بحجة أنهم ربما كانوا أيضاً ضحية لجماعة غولن، لكن بولنت أرينش نائب رئيس الوزراء حسم الأمر بقوله إن الحديث في هذا الموضوع لا يتجاوز «التمنيات»، وأن لا طريق قانونياً لتنفيذه. على رغم ذلك، قدّم الرئيس السابق للأركان الجنرال إلكر باشبوغ المسجون على ذمة قضية «أرغينيكون» الانقلابية، طلباً رسمياً لإطلاقه وإعادة محاكمته، استناداً إلى «اعتراف أردوغان ووزير العدل بكير بوزداغ بوجود عصابة داخل أجهزة الأمن والقضاء». واعتبر محامي باشبوغ إنه لا يمكن لهذا الاعتراف أن يمرّ مرور الكرام، مشدداً على أن إعادة محاكمة العسكريين باتت «واجباً أخلاقياً»، إذا أراد أردوغان أن يصدق الشعب حديثه عن «مؤامرة» ضد حكومته. في المقابل، رأى علي باباجان، نائب رئيس الوزراء، أن الحكومة تتعرّض ل «محاولة انقلاب مصغرة»، وزاد: «ثمة كتلة مهمة وضخمة جداً، مستاءة من الموقع الذي بلغته تركيا في السنوات ال11 الماضية، والتقدّم الذي أنجزته والنفوذ الذي أوجدته في المنطقة وصداه في العالم». لكن «حزب الحركة القومية» حض أردوغان على كشف كل ما يعرفه عن «المؤامرة» التي تستهدف حكومته، فيما دعاه «حزب الشعب الجمهوري» الأتاتوركي إلى إعادة فتح كل ملفات الانقلابات.