صعدت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية المصرية ضد الرئيس محمد مرسي وحكومته، على خلفية الاشتباكات التي اندلعت على أبواب الكاتدرائية المرقسية في العباسية بالقاهرة بين مشيعي 4 أقباط قتلوا في أعمال عنف طائفي في منطقة الخصوص ومجهولين وقُتل خلالها قبطيان وشهدت إطلاق الشرطة قنابل غاز على الكاتدرائية. وبعد ساعات من حديث بطريرك الأقباط البابا تواضروس الثاني عن أن «المشاعر الطيبة وحدها لا تكفي»، خرج المجلس الملّي التابع للكنيسة ببيان شديد اللهجة حمَّل فيه مرسي والحكومة مسؤولية «الاعتداء على الكاتدرائية»، معتبراً أن «هناك تواطؤاً» من أجهزة رسمية في هذا الاعتداء. ويتشكل المجلس الملّي من أساقفة ورهبان وشخصيات عامة قبطية، وهو يضم أعضاء من المجمع المقدس الذي يدير الأمور الدينية للكنيسة. وعزا المجلس في بيان عقب اجتماعه في مقر الكاتدرائية «أسر شهداء الاعتداءات التي وقعت في الخصوص والكاتدرائية، وكل أسرة مصرية فقدت أبناءها»، معرباً عن قلقه الشديد «من استمرار الشحن الطائفي الممنهج ضد مسيحيي مصر، والذي تصاعدت وتيرته وحدته خلال الأشهر الماضية، بسبب تراخي الدولة وكل مؤسساتها عن القيام بدورها تجاه تطبيق القانون على الجميع من دون تفرقة». واتهم «القيادة السياسية» ب «التقاعس عن تقديم الجناة المعروفين في أحداث سابقة للعدالة، أو اتخاذ أي موقف حاسم حقيقي نحو إنهاء الشحن والعنف الطائفي الآخذ في التصاعد من دون رادع، الأمر الذي ترتب عليه إهدار هيبة الدولة واحترامها للقانون ولمواطنيها وحرياتهم ومؤسساتهم الدينية». وأضاف: «في ظل غياب غير مسبوق في تاريخ مصر لدور القيادة السياسية في توحيد أبناء الشعب والعمل المخلص على نزع فتيل الأزمات الطائفية، وصل الأمر إلى السماح لأشخاص مدفوعين بمهاجمة جنازة شهداء العنف الطائفي، والهجوم على الكاتدرائية المرقسية والمقر البابوي على مرأى ومسمع من قوات الشرطة وقيادتها ولساعات طويلة من دون تدخل حاسم». وانتقد إطلاق قوات الشرطة الغاز «بكثافة داخل الكاتدرائية المُعتدى عليها»، لافتاً إلى أنه «تم رصد ملثمين داخل مدرعات الشرطة خلال الهجوم على الكاتدرائية، وهو ما يثير الشك في حقيقة الأحداث، ويشير إلى حدوث تحول خطير غير مسبوق حتى في أسوأ عصور قهر الحريات الدينية في موقف الدولة وأجهزتها تجاه أبناء الشعب المصري وتجاه مسيحيي مصر وكنائسها». وحمل الرئيس والحكومة «المسؤولية الكاملة عن غياب العدل والأمن والسكوت على التواطؤ المشبوه لبعض العاملين في أجهزة الدولة التنفيذية عن حماية أبناء الوطن وممتلكاتهم ودور عبادتهم»، مطالباً ب «التحقيق المستقل في الأحداث ومحاسبة الجناة ومن حرضوهم ومن تقاعسوا عن منعهم، ومن تستروا عليهم». وقال: «لن نقف مكتوفي الأيدي تجاه استمرار العنف الطائفي والتحريض عليه وعدم المساواة في تطبيق القانون على أبناء الوطن، ولن ننسى شهداءنا في كل الأحداث الطائفية التي لم يُحاسب عليها أحد»، متعهداً «اللجوء إلى كل السبل الشرعية والقانونية لحماية حقوق الأقباط الكاملة كمواطنين مصريين وعدم التفريط فيها تحت أي ظرف». وأكد أن «هناك ظلماً يقع على المسيحيين في مصر وعنفاً ممنهجاً ضدهم، وتقاعساً مخزياً للسلطات والقيادات السياسية عن ردع المعتدين وإقامة العدل واحترام القوانين والمواثيق الدولية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان». من جهته، عزى شيخ الأزهر أحمد الطيب أسر الضحايا مسلمين ومسيحيين، مؤكداً أن «الاعتداءات التي حدثت لا مسوغ لها». وقال إن «هذه الأحداث كلها في نظري أحداث مخطط لها من أعداء الأمة المصرية، فالمتربصون بمصر كثر، ولكن أين نحن من هذا التربص والتخطيط؟». وسأل في بيان: «هل رسم صليب معقوف يؤدي إلى إراقة الدماء؟ أليس الشرع والقانون والعقل يوجبان محاسبة المتجاوز والتحقيق معه ومجازاته بما يستحق؟»، داعياً كبار المسؤولين إلى «سرعة تعقب الجناة، والقبض عليهم، وسرعة التحقيق معهم، وإظهار الأحكام، حتى يهدأ الرأي العام، ويشعر الكل بالعدالة». وكان المحامي العام لنيابات شمال القليوبية حاتم الزيات قرر أمس إخلاء سبيل طفلين تسببا في تفجير الصدامات بين المسلمين والأقباط في الخصوص، ما سبب بمقتل 5 أقباط ومسلم، لقيامهما برسم «شعار النازية» بجوار اسميهما على سور المعهد الأزهري. اللافت أن الطفلين ظهر أنهما مسلمان يُدعيان أحمد وصالح (12 و13 سنة على الترتيب). ولم توجه إليهما النيابة أي تهم بعد أن أكدا أنهما «رسما الشعار ولم يكونا يعرفان مضمونه، وكتبا اسميهما فقط على الجدران ولم يقصدا الإساءة إلى أحد». وقرر قاضي المعارضات في محكمة الخانكة الجزئية تجديد حبس 15 متهماً من المسلمين والأقباط 15 يوماً على ذمة التحقيقات في المواجهات الطائفية في الخصوص، بعدما وجهت إليهم النيابة تهم «حمل أسلحة نارية وزجاجات حارقة وإحداث شغب وإثارة الذعر وأعمال البلطجة». وأمرت النيابة بسرعة ضبط وإحضار 20 متهماً آخرين من الطرفين بناء على مذكرة التحريات التي سلمتها أجهزة الأمن إلى النيابة وحددت فيها دور كل متهم في الأحداث. وما زالت قوات من الشرطة تتمركز في منطقة الخصوص لمنع أي مواجهات بين الطرفين مجدداً، فيما تُعقد اليوم جلسة صلح في حضور مسؤولين تنفيذيين وقساوسة وشيوخ ووفد من الأزهر وعدد من أهالي الضحايا من الطرفين، وهو نهج دأبت عليه الحكومات المتعاقبة في معالجة ملف العلاقات الطائفية. وتظاهرت حشود ضخمة مساء أول من أمس أمام مقر الكاتدرائية تنديداً بالأحداث التي شهدتها قبل أيام، وهتف المتظاهرون ضد مرسي وجماعته «الإخوان المسلمين» ومرشدها محمد بديع. وزار أمس وفد من المجلس القومي لحقوق الإنسان شبه الرسمي ضم إسلاميين منطقة الخصوص لرصد أسباب الأحداث. وعلى صعيد أزمة النائب العام، قال النائب العام السابق عبدالمجيد محمود في بيان إنه «لم يحصل على الصيغة التنفيذية للحكم» الذي قضى بإلغاء قرار مرسي عزله، على رغم أنه تقدم بطلب رسمي للحصول عليها، مشيراً إلى أنه «في انتظار الحصول على تلك الصيغة للبدء في إجراءات تنفيذ الحكم القضائي». وقابلت جماعة «الإخوان» إصرار محمود على المضي قدماً في الطريق القضائي بتصعيد من جانبها، إذ قدم وكيل اللجنة التشريعية في مجلس الشورى القيادي في الجماعة النائب طاهر عبدالمحسن شكوى إلى رئيس محكمة النقض رئيس مجلس القضاء الأعلى محمد ممتاز طلب فيها وقف عودة محمود إلى منصبه إلى حين الفصل في الطعن على حكم محكمة استئناف القاهرة. كما تقدم محام محسوب على «الإخوان» بدعوى أمام القضاء الإداري طالب فيها بإلغاء قرار وزير العدل أحمد مكي الامتناع عن إحالة محمود على مجلس تأديب القضاة «لفقدانه سبباً من أسباب الصلاحية لولاية القضاء لثبوت مباشرته أعمالاً تتعارض مع واجبات وظيفته وحسن أدائها مع ما يترتب على ذلك من آثار أهمها وقف تنفيذ إجراءات عودته لمنصب النائب العام»، بحسب الدعوى التي لم تذكر طبيعة هذه الأعمال.