استمر أمس تغيّب عدد كبير من العمالة الوافدة عن أماكن عملهم بسبب مخاوفهم من الحملات التفتيشية التي تسعى كل جهة حكومية للتنصل منها وإلقائها على جهة أخرى. وقالت وزارة العمل أمس – بعد يوم فقط من تصريحات لنائب الوزير والمتحدث باسمها نشرتها «الحياة» أمس – إنه لا علاقة لها بتلك الحملات، وإنها تعود إلى «لجان سعودة» تترأسها إمارات المناطق وتشمل جهات عدة بينها وزارة العمل! وفيما حذر اقتصاديون من تبعات مالية على تواري العمالة الوافدة وتغيّبها عن أماكن عملها، ذكرت مصادر أن مجلس الغرف السعودية يعتزم مناشدة الجهات الحكومية «إعطاء فرص لتصحيح أوضاع الإقامات ونظام الكفالة.. بحكمة وتأن من دون إضرار بالاقتصاد». ولم يجدِ النفي المتكرر من غير جهة حكومية لما يتردد عن «قص إقامات العمالة الوافدة» في إخراس تلك الصفة التي تؤكد تلك الجهات أنها «إشاعة لا أساس لها». وقال إداريو مدارس أهلية إنها لا تزال متوقفة عن تقديم خدمات لطلبتها بسبب استمرار تغيب المعلمين والمعلمات الخائفين من المطاردة والقبض والإبعاد... وتمزيق وثائقهم الثبوتية. وأوضح المتحدث باسم وزارة العمل حطاب العنزي أن الوزارة ليست لها علاقة بحملات القبض على العمالة المخالفة لأنظمة الإقامة. ولفت إلى أن تلك الحملات تعود إلى «لجان سعودة» تترأسها إمارات المناطق، وتتضمن جهات حكومية عدة منها وزارة العمل. (للمزيد) وقال العنزي ل«الحياة» إنه طبقاً لقرار مجلس الوزراء، فإن وزارة العمل هي المعنية بعمليات التفتيش داخل المنشآت، والتحقيق في مخالفات يتم ضبطها وفق الترتيبات المشتركة مع وزارة الداخلية، ومن ثم إحالتها إلى «الداخلية» لتطبيق العقوبات المقررة. وقال: «نضبط المخالفة، ونكتب فيها تقريراً، ونرسلها إلى وزارة الداخلية، ووزارة الداخلية بدورها تطبق النظام على المخالف». وتحولت «ضاحية الملك فهد» في الدمام أمس، التي اكتظت بالعمال منذ منتصف العام 2010، إلى أرض خالية من أي وجود بشري منذ إطلاق الأجهزة الأمنية حملاتها التفتيشية قبل أيام. وكان الاستثناء الوحيد بعض المواطنين الذين يأتون إلى الضاحية، للوقوف على أطلال منازلهم «المتعثرة» من دون أن يستطيعوا تحريك ساكن. وحذر متخصصون في الاقتصاد أن من شأن الحملات الراهنة رفع أسعار الخدمات بنسبة تراوح بين 30 و50 في المئة. وقالوا ل«الحياة» أمس إنها ستلحق الضرر بقطاعات يتصدرها قطاع المقاولات، تليه المراكز الطبية الأهلية والمدارس الأهلية النسائية. وذكر عضو مجلس إدارة غرفة تجارة الرياض سابقاً خلف الشمري ل«الحياة» أن تأثر الأسعار سيكون «كبيراً جداً». وقال إن غالبية شركات المقاولات ستعاني انخفاضاً في عدد العمال من 1000 إلى 500 عامل، مع وجود مشاريع قائمة لم تنته، وقد يتأخر إنجازها، وعدم تسلم مشاريع جديدة، ما سينعكس على الأسعار. وعلمت «الحياة» في جدة أن هناك توجهاً لدى مجلس الغرف السعودية لمخاطبة الجهات الحكومية المشاركة في لجان التوطين «لإعطاء فرص تصحيحية لأوضاع الإقامات ونظام الكفالة، ومعالجة الأنظمة بحكمة وتأنٍ من دون الإضرار بالاقتصاد»، وأن تكون هناك آلية منتظمة لعمل الحملات، والمطالبة بإعطاء فرصة لتلبية حاجة السوق من التأشيرات الفعلية، وتصحيح أوضاع العديد من الكفالات. وفي شأن ما يتردد عن «قص إقامات» الوافدين، اعتبر المستشار المحامي خالد أبو راشد – في تصريحات إلى «الحياة» - أن التنظيم في الأعمال بين العمالة والكفيل أمر إيجابي، ومعمول به في جميع دول العالم، إلا «أن قص الإقامة عمل سلبي». وأكد أن إتلاف الإقامة إجراء خاطئ وغير صحيح، فحين تثبت المخالفة هناك إجراءات عدة، منها كتابة محضر وإثبات المخالفة، ثم تطبيق العقوبات على الكفيل والمكفول. وأضاف: «في نظام التزوير نصت المادة السادسة على معاقبة كل من يتلف مستنداً رسمياً، فكيف لهم أن يتلفوا مستندات نظامية صالحة»؟ وأشار إلى أن العامل الأجنبي من حقه مقاضاة المنشأة، حتى لو لم يكن على كفالتها بحسب نظام العمل، بمجرد عمله في القطاع، إذ لا يجوز ترحيله، إلا بعد أخذ الحقوق كاملة. وأضاف: «قرارات وزارة العمل الأخيرة لا تخدم السعودة، فحين فرضت 2400 ريال على كل صاحب عمل، أدى ذلك إلى ارتفاع الأسعار في القطاعات كافة، ومنها المدارس». وقال: «التعجيل بالسعودة يكون بإقرار نظام للعمل والعمال، من دون زيادة الغرامات التي أدت إلى تحايل التجار بجلب عمالة ليست على كفالتهم لكي لا يدفعوا الغرامة».