يُقال إنَّ الموسيقى لغة الشعوب، وبناءً على ذلك فإن كل حضارة تدلي بدلو منتوجها الثقافي عبر قوالبها الموسيقية والغنائية، ولكن هل نعتبر الحضارة العربية المعاصرة منقوصة إذا علمنا أن غالبية ألحان الأغاني العربية التي نسمعها اليوم، مأخوذة عن أغانٍ تركية؟ خلال سنوات دراسته الموسيقى، اطلع عازف العود التركي مراد إشيك على الألوان الغنائية العربية، وعندها اكتشفت أنَّ كثيراً من المغنين المعروفين لدى العرب مثل أصالة وعمرو دياب وفضل شاكر وغيرهم، سرقوا ألحان أغانٍ تركية، وأحياناً كليباتها، كما في حالة أغنية أصالة «مشيت سنين». ولا يستغرب الموسيقي التركي أن يمتد التأثر العربي بالموسيقى التركية حتى اليوم، ويقول إن آثار الموسيقى التركية تظهر بوضوح في التطورات التي طرأت على التخت الشرقي، والتي مكنته من أن يكون أكثر مرونةً، وقدرةً على مواكبة التطورات الموسيقية. لذلك، لا يستغرب إشيك وزملاؤه عندما يسمعون أغاني عربية معاصرة بألحان تركية، لأن الفضاءات المفتوحة سهلت السرقة، الأمر الذي قتل لدى كثيرين الرغبة في الإبداع، على حد قوله. وينوه عازف العود بأن التوزيع الموسيقي هو إحدى وسائل التلاعب بالموسيقى المسروقة، ويمكن من خلاله إخفاء هوية اللحن، وبالتالي هضم حقوق واضعه. ويضيف: «الألحان التركية مرحة ومتنوعة، وبعض الملحنين العرب استفادوا من عدم انتشار الأغاني التركية خارج حدودها، بسبب حاجز اللغة»، موضحاً أنَّ تشابك التاريخين العربي والتركي يجعل من الصعب في مكان ما الفصل بين هويتي الموسيقى. ويقول إن «الغناء التركي دخل الموسيقى العربية من طريق التهليلات التي كانت ولا تزال مُستعملة في مساجد الدول العربية، والتي يمكن ملاحظتها بوضوح في تهليلات صلاة العيد». السرقة المبدعة ولا تجزم المغنية التركية سُوفلي يُليوش بأن المغنين العرب هم من يأخذون دائماً الألحان التركية، وتقول: «كثيراً ما يستمع الأتراك إلى أغانٍ لإليسا ونانسي عجرم، ويرقصون عليها في النوادي الليلة أيضاً». تعلم يُليوش أن العرب أخذوا الكثير من الألحان التركية، ولكن ذلك لا ينفي التهمة ذاتها عن الأتراك. ولا تجد المغنية التركية مشكلة في تبادل الألحان وتطويرها، فالألحان متاحة للجميع، وهي لغة الكون، لذلك تساهم الألحان المتبادلة في حوار الثقافات والشعوب. وتستدرك: «لكن، لا أعتقد أن أخذ أي لحن كما هو، من دون الإضافة إليه، يطور شيئاً في الفن». وتعتبر أن الفن يتطور من خلال البحث والاستعانة، وفي بعض الأحيان من طريق السرقة. وهنا تطلق المغنية التركية مصطلح «السرقة المبدعة» التي تقوم على تطوير الأعمال الفنية بعد سرقتها، وعندها تكون السرقة برأيها أحد أشكال التأثير المنتج. يذكر أن بعض الفنانين العرب يتعاملون مع ملحنين وموزعين أتراك، لتقديم أغانٍ بقوالب مختلفة، ومنهم إليسا وغادة رجب، على سبيل المثال لا الحصر.