تفتتح المغنية اللبنانية تانيا صالح «مهرجان ربيع بيروت» الذي تنظمة مؤسسة سمير قصير في وسط المدينة، مساء اليوم. وتقدم صالح الملتزمة قضايا الانسان والنقد الاجتماعي اللاذع، مشروعاً فنياً جديداً عنوانه «شبابيك بيروت»، عن الحب والعاطفة والمدينة، وما تبقى فيها من مساحة للأمل والحلم. تقول ل «الحياة»، إن قرار المشاركة في المهرجان لا يحتاج الى تفكير، بل الى تقديم عمل جديد ومختلف في مناسبة سنوية تكرّم قصير (اغتيل عام 2005) المثقف والصحافي والانسان والحبيب والزوج الطيب والأب، لما قدّمه من عطاءات للبلد وتضحيات. وتضيف: «ما نريد قوله، إننا كشعب ما زلنا قادرين على اظهار صورة حضارية لمدينتنا، وما زال في استطاعتنا التواصل مع الآخر والتفاهم معه، وأن ما تعرضه نشرات الأخبار اللبنانية من قتل وفتنة وحروب، لا يمثل كل الشعب اللبناني، اذ ثمة فئة تعمل على مقاومة العنف بالفن والثقافة». درجت العادة، أن تكتب صالح (مواليد 1969) أغاني انتقادية قاسية وكاريكاتورية للوضع اللبناني، لكنها في هذه الأمسية قررت الاحتفال بالحب، فأتى عنوان الأمسية من أغنية جديدة هي «شبابيك بيروت». تقول صاحبة أغنية «الجيل الجديد»: «لطالما انتقدت الوضع المعيشي والطائفي في البلاد، لذا أردت الحديث هذه المرة عن المدينة التي نسكنها وإظهار جوانبها الايجابية، وما فيها من مساحة للحلم والأمل والحياة والعاطفة، وما تمنحنا اياه من تجارب جديدة». يتألف العمل الجديد من 10 أغنيات، خمس منها من كلماتها وألحانها، وتعاونت في البقية مع عصام الحاج علي (أغنية من كلماته وألحانه) وبوغوص جلاليان الذي لحن أغنية قبل رحيله عام 2011، وهو من أهم عازفي البيانو (علّم زياد الرحباني العزف)، وكان عازفاً أساسياً في أغنيات فيروز أيام الأخوين رحباني، وإدوارد توركيان وهو من الأشخاص المميزين الذين يوزعون للكورس، اضافة الى استعمالها كلمات قصيدة «هي لا تحبك أنت» لمحمود درويش (لحنها الحاج علي)، وأغنية «راحوا الحبايب» المستوحاة من أغنية لأحمد عدوية. وسيرافق الأغنيات عرض بصري، اذ ستقدم صالح رسوماً لها مع كل أغنية. ومن الاغنيات: «كل ما تروح»، «هالعيون»، «ما في ولا مشكل»، «من سكات»، «ياحمام». تجديد الفولكلور واللافت التزام صالح وحرصها على تجديد أغنية من الفولكلور، أو من الذاكرة الشعبية، في أي عمل جديد تقدمه. وعملت هذه المرة على اعادة توزيع أغنية «يا حمام» للسيدة فيروز، وهي كانت أول تعاون لها مع الملحن الراحل حليم الرومي. تقول صاحبة «وحدة» إن «لحن الأغنية جميل جداً، وفيه جمل موسيقية رائعة، ولكنه للأسف لم يأخذ حقه، وكذلك الملحن البارع الرومي الذي قدّم أعمالاً قيّمة، شكلت اضافة نوعية الى الذاكرة الفنية، لكنه لا يلقى أي اهتمام كغيره من المبدعين الراحلين مثل زكي ناصيف ويونس الابن وسواهما». وتنتقد بشدة تقصير الدولة، تجاه أشخاص ساهموا في بناء الحركة الفنية في لبنان، موضحة أن هذا التقصير الرسمي، يُعرِّض تلك الأعمال الجميلة الى التلف أو النسيان. ومن هذا المنطلق تعمل على تعريف الجيل الجديد ببعض الأعمال القديمة عبر اعادة توزيعها بطريقة عصرية من دون المساس بروح ألحانها أو إجراء تغييرات جذرية، وهذا ما فعلته في أعمال لروميو لحود وسميرة توفيق وطوني حنا. ويتميز العمل الجديد بما فيه من طاقة ايجابية، وحب للعطاء في ظل أوضاع أمنية متوترة. وتشير صالح الى أن واجبها مع رفاقها من الفنانين الملتزمين الافساح في المجال للضوء والحب لاختراق سوداوية المدينة الناتجة من تصرفات رجال السياسة فيها. وتضيف: «يجب ألا ننسى أننا كشعوب عربية لدينا أهمية تاريخية، ولدينا أيضاً الكثير من المنجزات. علينا ألا نغرق في أحزاننا، وألا نظهر دوماً بصورة المضطهد التي كرسها الإعلام الغربي». أما بالنسبة إلى الألحان، فتحافظ صالح على الروح الشرقية في أعمالها، مع تطعيمها بإيقاعات لاتينية، مشيرة الى أنها في الفترة الأخيرة باتت تستمع كثيراً الى الموسيقى البرازيلية، ما دفعها الى الاستعانة بهذه الايقاعات المميزة. ايقاعات لاتينية وترى أنه يجب الانفتاح على ثقافات موسيقية جديدة، وعدم الالتزام بجملنا الموسيقية والتقوقع داخلها، اذ ان التجريب الجدي في الموسيقى والمزاوجة بين الشرقي والغربي مثلاً ينتجان احياناً ابتكارات تضيف الى العمل الغنائي أبعاداً جديدة. وتلاحظ صاحبة «خلصوا الدفاتر» ان ثمة خوفاً من التجريب في المنطقة العربية. وتضيف: «انتج الغرب مئات الأنماط الموسيقية الجديدة، نتيجة المزاوجة بين انواع مختلفة، لكننا في الشرق ما زلنا متمسكين بالتخت الشرقي والموشحات، اضافة الى الفولكلور الذي يختلف وفق المناطق. علينا التعامل بجرأة مع الأعمال القديمة والانفتاح على تجارب موسيقية جديدة، وتجريب الأغنيات على ايقاعات غريبة عن ثقافتنا كالفانك والروك والراب، والأنواع الافريقية واللاتينية والآسيوية، ولكن من دون تشويه، بل عن دراية ودراسة ومعرفة». ويتميز صوت صالح بعذوبة مشحونة بحس مرهف، وجرس يتناغم فيه التطريب والإيقاع الحديث، كما يساعدها تحكمها بطبقات صوتها ومرونته على تحميل الأغنية انفعالات تدل على الغضب والفرح والدلال والهزل والجدية. وسترافقها في الأمسية فرقة موسيقية أكوستيك هذه المرة، تتألّف من رافي مندليان على الغيتار، وبسام سابا على الناي، ونضال أبو سمرة على البيانو، ومكرم أبو الحسن على الكونترباص وإبراهيم جابر على الآلات الإيقاعية، والإشراف الموسيقي لعبود السعدي، إلى جانب الكورال الذي سيقوده إدوارد توركيان.