هنا لا وجود ل«الموكا» و«الإكسبريسو» و«الكابتشينو»، لكنك ستجد الشاي المخدَّر (المغلي طويلاً)، والقهوة العربية بمذاقات مختلفة، واللومي (الليمون العماني الأسود)، وكذلك الدارسين والنعناع، وحتى «شاي البمبر»، وهي ثمرة استوائية صغيرة تُجفف، ثم تُغلى مع الماء وتصفى. في القهوة الشعبية، وهي أحد أجنحة مهرجان «الدوخلة» في نسخته العاشرة، الذي يقام برعاية «الحياة»، يقدمون 10 آلاف كوب من المشروبات المختلفة يومياً، التي تطبخ على الجمر، فيبدو مذاقها مختلفاً ومحبباً إلى النفوس والشفاه. وهنا فرّغ 25 متطوعاً أنفسهم لخدمة الزوار، وهم من أعمار مختلفة، فهناك المُسن، والصبي الذي لم يتجاوز 12 عاماً، ولكنهم جميعاً يُبدون سعادة غامرة بخدمة الزوار. وتخطت القهوة الشعبية الغرض التقليدي والمهمة الأساسية، ففي كل جانب من جوانبها ثمة قصة للحوار، أو مشكلة للطرح والنقاش. وقد تكون ليلة لأمسية شعبية أو حوار مجتمعي، ويُعتبر المقهى بالنسبة إلى العاملين فيه «المنزل الثاني». وأخذوا على أنفسهم عهداً أن «تكون الضيافة بحب وابتسامة»، على رغم حرارة الأجواء، التي تزداد مع حرارة الجمر أسفل الأباريق الكبيرة. ولا وقت لاستخدام الموبايل في القهوة الشعبية، فهنا الحديث والحديث فقط. كما لا يتمكن العاملون في القهوة من أخذ قسط من الراحة، فكل العاملين في الأقسام في المهرجان يتوجهون بعد إنهاء عملهم إلى القهوة، التي تشكل لهم مكاناً للراحة، وربما النقاش والتقويم، فيما إذا قاموا بعملهم على أكمل وجه ليكون الغد أفضل. وتشهد القهوة الشعبية، التي تأخذ حيزاً كبيراً من ساحة المهرجان إقبالاً كبيراً. ويقدر فاضل آل بريه، وهو أحد العاملين في المقهى، ما يعدونه يومياً في أقل تقدير بنحو 10 آلاف كوب. وقال: «بعضهم يحضر كوبه الخاص، لنسكب له فيه ما يريد من مشروبات»، لافتاً إلى أنهم يعدون «شاي الدوخلة»، وهو «خليط من الكزبرة والبقدونس»، مضيفاً: «عملنا يبدأ من الواحدة ظهراً، حتى ال12 مساءً». وتشرع القهوة الشعبية أبواب الحوار بين أجيال، فهناك الكبار في السن والشبان، ولكن الكل هنا يتحدث مع الكل. وغالباً هم لا يعرفون بعضهم قبل جلوسهم على مقاعد القهوة، التي استحالت إلى «ديوانية» يشرف عليها الشاعر حسن الأمير. وتستقطب زوار المهرجان من خارج القطيف، ومن دول الخليج أيضاً، الذين يستغربون من تقديم كل ما سبق من دون مقابل. وفقدت الدوخلة هذا العام اثنين من كوادرها: أحمد النجمة، وعلي راشد، وآخرهما فارق الحياة قبل عشرة أيام من افتتاح المهرجان في نسخته العاشرة. وكان الفوتوغرافي النجمة «يطل على القهوة الشعبية وبقية الأركان، ليثري ألبوم «الدوخلة» بما تلتقطه عدسته. أما علي راشد فكان عاكفاً على العمل بالسعف لإقامة القهوة الشعبية». وقال آل بريه: «فقدهما سبَّب لنا ألماً كبيراً، ولكننا نراهما في كل زوايا المكان. وعلينا إنهاء ما بدآ به، وما سعيا لتحقيقه». وقدم آل بريه، العام الماضي طبق «مطبن السمك»، وأقام له مزاداً، وقدم المبلغ كتبرع لإحدى الجمعيات الخيرية عن روح «طارق»، وهو أحد المتطوعين العاملين في «الدوخلة». فيما يعتزم هذا العام تطبيق الفكرة ذاتها، وتقديم طبق آخر وفتح مزاد له، ليقدم المال عن روحي النجمة وراشد «وسيكون إما لإحدى الجمعيات الخيرية، أو لجنة كافل اليتيم»، بحسب قوله. فتيل وعاشور يقدمان «القطيف».. شعراً وموسيقى استضافت «الخيمة الثقافية» في مهرجان الدوخلة، الروائية أميرة المضحي، التي تحدثت عن تجربتها الروائية ضمن رواياتها الثلاث: «الملعونة»، و«أنثى مفخخة»، و«غابت شمس الحب». وتحدثت عن الرواية قائلة: «هي الحياة، وأنا أحب الحياة، والطبيعة والشوارع، المدن والإنسان». وأضافت أميرة: «كتابة الرواية تعني «خلق»، وتستهويني هذه الحروف الثلاثة، فالرواية نسق الحرية، وفيها تندمج كل الفنون. وأريد الاعتراف بأني أحب أبطالي إلى درجة العشق، ومنحازة إليهم أيضاً، طرحتهم على الورق والحكم للآخرين، فالكتابة حرية، والقراءة مثلها». وقالت: «بعد ثلاث روايات صادرة، أعمل على أخرى جديدة منذ مدة، وسعيدة بالضياع بين الأوراق والشخصيات والأفكار، فالكتابة الروائية بحاجة إلى استقرار وهدوء، فهي عملية شاقة، مقلقة ومعقدة، بحاجة إلى الانفصال عن هذا العالم، لتعيش في العالم الموازي، الذي خلقته أنت لنفسك». وتحفظت أميرة على التصنيف الروائي: «لا تصنيف رجالياً ونسائياً في الأدب، كما لا وجود له في شتى المجالات، وهذا التصنيف ربما القصد منه التقليل من شأن المرأة، والعمل رهن إنساني، وربما يكون الرجل سبق المرأة في هذا المجال». وحول روايات ما وصفتها أميرة ب«الطفرة»، ذكرت أن هناك «رواية تخرج وتأخذ صدى كبيراً، وتستقطب القراء، ولكنها بلغتها قد تكون بسيطة، مثل «بنات الرياض»، الرواية جميلة وجماهيريتها لا توازي قيمة الرواية، وهذا شجع الكثيرين على خوض مجال الكتابة الروائية. إلا أننا الآن في وقت الغربلة، وأصبح القارئ لا يهتم بالأعمال التجارية التي تتعمد التسويق». وعن روايتها الجديدة، قالت: «ما يوجد فيها لم يكن موجوداً في الروايات الثلاث اللاتي سبقنها، ستكون وجذب الشاعر مالك فتيل، الحضور لشعر شعبي «قطيفي»، رافقه الموسيقي شكري عاشور، في أمسية قدمها الكاتب عباس الحايك. وتفاعل الحضور مع الأمسية بشكل لافت، إذ كان الشعر «قطيفياً» والغناء كذلك، في أمسية حملت عنوان: «ما نرضى عليها». وبدا فتيل أمسيته ب«هذا المسا جيتش (جئتك) فجر شايل (حامل) عشقه بعينه، جيتش (جئتك) مسا يروي أسراره وسنينه، جيتش (جئتك) أنا المجنون أنا المفتون، وأنا الولهان بعقله وقليبه». وأبدى الحضور إعجابهم بأمسية «شعرية غنائية حملت لهجات محافظة القطيف، وكانت الأقرب إلى النفس، وذات ارتباط بالأهداف التراثية الشعبية التي يسعى «الدوخلة» إلى نشرها. والجمهور متعطش لهذا النمط الشعري والغنائي، فقد ابتعد الكثيرون عن اللهجة الأم، وها نحن نعود إليها في الدوخلة». فيما لم تستوعب الخيمة عدد الحضور. وتحمل بعضهم الاستماع وقوفاً. وبادر الكوادر لإحضار مقاعد إضافية، إلا أنها لم تكف العدد الكبير من عشاق اللهجة المحلية.