فجر القضاء الإداري في مصر مفاجأة من العيار الثقيل عندما ألزم السلطات بوقف إجراء الانتخابات التشريعية التي كانت مقررة الشهر المقبل، عازياً قراره إلى مخالفة قرار إجراء الانتخابات للدستور الجديد. وأمر بإعادة قانون تنظيم الانتخابات التشريعية إلى المحكمة الدستورية لتنظر في مدى تلبية مجلس الشورى للتعديلات التي كانت طلبتها في وقت سابق. وأوضحت المحكمة أن قرار دعوة الناخبين «حدد بناء على مخالفة للدستور، إذ كانت تتعين إعادة تعديلات مشروع القانون إلى المحكمة الدستورية للتأكد من أن ملاحظاتها تم إعمالها على الوجه الذي يوافق أحكام الدستور». وبهذا القرار تعود إدارة العملية السياسية مجدداً إلى ساحات القضاء. وكانت المحكمة نظرت أمس في 14 طعناً ضد قرار إجراء الانتخابات، وجاء في الدعاوى أن مجلس الشورى أرسل قانون الانتخابات النيابية إلى المحكمة الدستورية التي أصدرت حكماً بعدم دستورية بعض مواده وقررت إعادة القانون مرة أخرى إلى المجلس. ورأت المحكمة أنه «كان يجب على مجلس الشورى تعديل القانون طبقاً لحكم المحكمة الدستورية، إلا أننا فوجئنا بصدور قرار من الرئيس بالدعوة إلى انتخابات مجلس النواب من دون أن يُعاد قانون الانتخابات مرة أخرى إلى المحكمة الدستورية للنظر في مدى مطابقته للحكم الصادر منها في التعديلات المطلوبة عليه». وتلبي قرار المحكمة قوى سياسية أبرزها حزب «النور» السلفي الذي كان يطالب بإعادة قانون تنظيم الانتخابات إلى الدستورية لتفادي الطعن على العملية الانتخابية، كما أنه يمثل أيضاً مخرجاً سلساً للسلطة الحاكمة التي تواجه ضغوطاً متصاعدة لإرجاء الانتخابات، لا سيما مع احتدام العنف في الشارع وضعف مؤسسات الدولة. وأكد مصدر رئاسي تحدث إلى «الحياة» أن «الدولة تلتزم بالأحكام القضائية وتحترمها»، مرجحاً عدم قيام هيئة قضايا الدولة بالطعن على القرار. وقال: «يبدو من حيثيات الحكم أن التوجه العام لدى القضاء الإداري يرى مخالفة صريحة في عدم إعادة قانون تنظيم الانتخابات إلى المحكمة الدستورية، ونحن ملتزمون بتنفيذ الحكم». لكن المصدر حض المحكمة الدستورية على «الإسراع في نظر القانون وعدم اعتماد المهلة التي يحددها القانون في 45 يوماً حتى يمكن إجراء الانتخابات في أقرب وقت». وأكد المستشار الإعلامي لحزب «الحرية والعدالة»، الذراع السياسية ل «الإخوان المسلمين»، مراد علي أن الحزب الحاكم «يحترم أحكام القضاء». وقال: «لا نرى مشكلة في إحالة قانون الانتخابات على المحكمة الدستورية، والحزب لن يطعن على الحكم». لكنه ألقى بمسؤولية اتخاذ قرار إرجاء الاستحقاق النيابي على اللجنة القضائية المشرفة على الانتخابات. وقال: «ننتظر ما ستتخذه اللجنة العليا للانتخابات من قرارات». وقال رئيس حزب «النور» يونس مخيون عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك»: «أرحب بحكم القضاء الإداري وهذا ما طالبت به حتى لا يكون هناك أي مجال للطعن على المجلس المقبل، فالدولة لا تحتمل مزيداً من الفراغ التشريعي وإهدار ملايين الجنيهات وإضاعة الجهود والأوقات». وأضاف: «نحن عندما طالبنا بذلك كان من منطلق الحرص على مصلحة البلاد وربما يكون هذا التأخير سبباً في تهيئة الأجواء السياسية والأمنية والتقاط الأنفاس وإتاحة الفرصة للحوار الحقيقي حتى تشارك جميع الفصائل والأحزاب في الانتخابات المقبلة». واعتبر نائب رئيس حزب «غد الثورة» محمد محيي الدين، وهو أحد مقيمي الدعاوى القضائية، أن الحكم «يعطي فرصة لالتقاط الأنفاس وإعادة جبهة الإنقاذ للمشاركة في الانتخابات»، مؤكداً ل «الحياة» أن «القضاء المصري أثبت أنه الحصن الحصين للدستور والديموقراطية». وعزا تقديم طعون على البدء في إجراءات الانتخابات إلى «عدم السماح بالطعن في مشروعية ودستورية مجلس النواب وأعضائه، والحفاظ على أموال الشعب». ويتوقع أن يرجئ حزبا «الحرية والعدالة» و «النور» إعلان قوائم مرشحيهما الذي كان مقرراً اليوم بعدما أكدا المنافسة على كل مقاعد البرلمان البالغ عددها 546 مقعداً، فيما يعطي الحكم القضائي فرصة للأحزاب المنخرطة في «جبهة الإنقاذ» لحسم الضغوط داخلها في شأن قرار مقاطعة الانتخابات. في غضون ذلك، عاقبت محكمة جنايات الجيزة أمس بالسجن 37 عاماً رجل الأعمال والقيادي السابق في الحزب الوطني المنحل أحمد عز وألزمته غرامات تبلغ حوالى ثلاثة بلايين جنيه بعد إدانته بالإضرار بالمال العام في قضية متعلقة بالاستحواذ على شركة حديد الدخيلة المملوكة للدولة. ودانت المحكمة عز ب «التربّح والاستيلاء على المال العام والإضرار العمد الجسيم به». وأشارت إلى أن «الدولة خسرت حوالى 5 بلايين جنيه نتيجة تصرفات عز ومسؤولين حكوميين فاسدين على صلة بصفقة شراء حديد الدخيلة». وعاقبت المحكمة عدداً من المسؤولين ورجال الأعمال المتهمين في القضية بالحبس، بينهم وزير الصناعة السابق إبراهيم محمدين الذي قضت بحبسه مع إيقاف التنفيذ لمدة عام واحد وإلزامه متضامناً مع أحمد عز بدفع غرامة مقدارها 637 مليوناً و435 ألف جنيه.