الأحد 24/2/2013: اللبنانيون المتجددون من ساحة القرية الأم وتسلياتها البدائية، برقص الإنسان والحيوان وكائنات الطين، إلى التجارة البدائية أيضاً في البرازيل المترامية أو المصانع في مدينتي الطقس الجميل ريو دي جانيرو وساو باولو. اللبنانيون الضائعون في أدغال الغربة أو البارزون في نوادي التجارة والصناعة والسياسة، يعودون إلى قراهم مرة واحدة في العمر، على الأقل، مثل حجّ وطني يكتشفون بعده أن لبنان لزيارة واحدة لا لإقامة دائمة، وطن/ فكرة لا وطن/ واقع. ولكن، لماذا يبقى هذا الحنين عميقاً في الجسد والوجدان وطريقة عيش الفرد أو الجماعة؟ ربما لأن اللبنانيين كابراً عن كابر استقبلوا أساطير منطقتهم وأديانها وأفكارها واجتياحاتها المبصرة أو العمياء، بما يشبه مصالحة القديم والطارئ، فيختارون من الآخر ما يناسب عيشهم، ويتقبل هو هذا الاختيار ليندرج في سياقهم متعلماً أكثر مما يعلم، ومدركاً أن القوة وحدها لا تكفي لتطويع شعب، وإنما تجري الأمور في ما يشبه التوافق بين الماء والجذر والتراب لتطلّ الوردة وتتفتح تحت الشمس الحانية. يهاجر اللبنانيون، لا يعودون إلاّ في زيارات محدودة، لكن المقيمين يتجددون باستقبالهم انزياحات الشرق البشرية وتطويعهم إياها في المزاج اللبناني الخاص. تجديد لبنان هذا، هل يستمر كما هو في المعطيات الجديدة المتسارعة، حيث لا ينتظر أحد الاندماج الثقافي، وبالتالي الشعبي. ثمة قدر كبير من الاستخفاف بالتراث الشعبي وطرائق العيش المتنامية. ثمة نهج تبسيطي مدمّر في مواجهة الاجتماع البشري، يقضي بإهمال البشر ذوي الثقافة المختلفة والمعقدة، بل حتى قتلهم، فقط لرفع علم وشعار مقدسين، فقط لقدح اللحية باللحية، فينطلق الشرر والحريق، ولا داعي لمسؤوليات ثقافية معقدة واقتصادية أكثر تعقيداً. هذا النهج التبسيطي الذي يغزو لبنان يؤهله فقط للزوال، أي للدخول في فردوس الشهادة والشهداء. فيا أيها الأصدقاء، من مونتريال الى ساوباولو، ومن جنوب أفريقيا إلى استراليا. احفظوا ما في قلوبكم. إنه لبنان الباقي، فربما لن تجدوه بعد اليوم في الأرض/ الأم. الإثنين 25/2/2013: بيان لن يصدر صدرت وتصدر من بيروت بيانات مثقفين تدافع عن حرية الفكر وديموقراطية النظم السياسية، وهي البيانات الأكثر عدداً في العالم العربي. أذكر في الفتوة الأولى أننا وقّعنا بياناً وتظاهرنا في شارع الحمرا تضامناً مع بابلو نيرودا وحرية التشيليين في وجه الديكتاتورية. الأمر إيجابي، وإن كان الكثير من البيانات مدفوعاً برغبات أو بضغوط أحزاب أو جماعات سياسية ذات نفوذ. لبنان يحتاج اليوم بياناً فلا يجد له كاتباً ولا موقعين، لأن الوطن/ الدولة بلا نفوذ، فلا مصلحة ظاهرة في التضامن مع أسباب وجوده التي تعني الوجود الحر للجماعات والأفراد، ويبدو إن شعار لبنان الوطن والدولة «لا يطعم خبزاً» هذه الأيام. بيان مثقفين من أجل لبنان مطلوب لأنه يتعرض لأخطار منظورة ومستترة، ولا كتّاب يتداعون لكتابة البيان والتوقيع عليه باسم الضمير والمصلحة المشتركة وحماية ساحة الاختبار الضرورية في هذا المشرق الشقي. الثلثاء 26/2/2013: «النهضة» أيضاً لا نكلّ ولا نملّ من الكلام على نهضة لبنان والعالم العربي، وهو إصرار غريب يعادل التنفس في سجن خانق، ويزداد الأمر غرابة أن الكلام على النهضة يدور فيما فؤوس أهل الماضي تحطم المسرح والممثلين والجمهور. نستعير هنا أحدث الكلام على النهضة من علي حرب في كتابه الجديد «ثورات القوة الناعمة في العالم العربي - من المنظومة إلى الشبكة» (الدار العربية للعلوم - ناشرون، الطبعة الثانية): «أتوقف عند مسألة النهضة التي لا تزال تثير النقاش والجدل حول كيفية تحققها، بعد قرن ونيف على طرح مشروعها وشعاراتها، فالكثيرون يعالجون المسألة بالحديث عن شروطها، وأنا أعيد التفكير فيها بصورة مغايرة: ليست المسألة مسألة معرفة مسبقة بالنهوض مطابقة لشروط إمكانه أو نظام أسبابه ومسبباته، فذاك هو مصدر التعثر والإخفاق (...). والتحدّي الكبير أمام الأحزاب الإسلامية التي فازت في الانتخابات الديموقراطية التي هي ثمرة الحداثة الغربية: تجديد العناوين الحضارية واختراع نماذج جديدة، وهذا أمر يتجاوز شعارهم المستحيل: الإسلام هو الحل، إذ هو حيث طُبِّق تحول مشكلةً لأصحابه ولغيرهم، ولا غرابة، فلا يستقيم حكم في هذا العصر بنماذج السلف وأحكامهم وأدواتهم. ولذا، فإن الإسلاميين يحمّلون الدين الإسلامي ما لا طاقة له به، فإن نجحوا ينسبون إليه زوراً ما ليس له، أو ما لم يأتِ به، وإن أخفقوا ينتهكون قِيَمَه ويسيئون إليه بالغَ الإساءة. هكذا، لا مهرب من التغيير والتبديل، خرقاً للثوابت، على سبيل الاختراع والإبداع. والتجربة التركية شاهد بليغ، فقد نجح «حزب العدالة والتنمية» الآتي من خلفية إسلامية، لأن قادته لم يعملوا بمنطق المنظّر العقائدي ولا بموجب النظام الفقهي، بل كان همّهم أن يخرجوا ببلدهم من هامشيته وتخلّفه. هم نجحوا ببناء نموذجهم في التحديث والإنماء والتقدّم، بقدر ما انفتحوا على حقائق العصر، وأفادوا من تجارب الغير، وبقدر ما فكّروا بطريقة مركّبة تجمع، على نحوٍ مثمر وبنّاء، بين التقليد الديني والمرتكز القومي والتحديث الاقتصادي والمدى العالمي. إن الدرس الأول المستفاد من تجارب الماضي وإخفاقاتها، هو أن من أساء إلى القضايا والمشاريع هم دعاتها وحملتها بالدرجة الأولى. كما أساء الإسلاميون الى القيم الدينية، والعروبيون الى فكرة الوحدة، والحداثيون الى عناوين الحداثة، والعلمانيون الى التنوير والعقلانية، واليساريون الى العدالة والمساواة، ومناهضو الاستبداد إلى الثورة والحرية. وتلك هي العدمية المعاصرة». الأربعاء 27/2/2013: رسائل أكتب الرسالة الى السيدة وأحتفظ بها خجلاً. كم أرغب في كتاب/ رسائل يوقعه كاتبان، أنا وهي. كاتب واحد لا يكفي لتوقيع كتاب مقروء حقاً، ذلك أن الذات الواحدة انكفأت وفقدت القدرة على حوار داخلي، على صراع الأنا والأنا وصولاً إلى الكلمة الحيوية، الكلمة الخلاصة. في الرواية كما في الفكر، وحتى في الشعر أيضاً، كم هو مطلوب أسلوب الرسائل المتبادلة. شخص وحيد ليس كاتباً، بل ليس حتى شخصاً حياً. الخميس 28/2/2013: عبر الحدود ليس سهلاً أن تعبر الحدود، لأن الأمم تقفل أبوابها. ثمة ارتجافة غامضة تمنع تقبّل الأفكار الوافدة. كانت الأفكار طرود كتب ومجلات ترد الينا في البواخر أو في الطائرات، تأتي وتمكث طويلاً إذ نقرأها ونعيد القراءة، تصير جزءاً من دخيلتنا فنكمل ما بدأته بما نلاحظ ونبتكر. تكتمل الرسالة البشرية الواحدة بكتب مرسلة في طرود. يبدأ الكتاب قليل الصفحات وعندما يكمل جولته العالمية يصير كبيراً متعدد الأجزاء كتاب البشر. ليس سهلاً أن تعبر الحدود. أو أنك تعبرها في الانترنت، لا نقرأ منه سوى الخفيف والعابر. ليس للمفكر عندنا تغريدات لأن رجال الأعمال احتكروها ومعهم ممثلوهم في الإدارة السياسية، والى جانب هؤلاء يغرد القتلة بسيوفهم، يهددون بمصير مظلم للبشرية إذا فكرت أو راكمت جديداً على قديم. القتلة يغردون ويهددون ويأنسون بيقينهم البسيط. حقيقة يملكونها وحدها الحقيقة، والباقي هرطقة. وأول الهرطقة كتاب يبدأ قليل الصفحات ويكتمل بكتابات قرائه في بلاد الله الواسعة.