لم تكن المشاركات الشبابية في التظاهرات تقتصر على رفع الشعارات والرايات أو إطلاق الهتافات عبر مكبرات الصوت ضد الفساد والمشكلات التي يعيشها العراق، بل تحركت في اتجاهات مختلفة كان أبرزها التعبير عن الذات من خلال الفن. واختارت مجموعة من الفرق الشبابية الفنية ساحة التحرير في بغداد لعرض مسرحياتها او إقامة عرض خاص لأعمالها الفنية داخل الساحة كجزء من الفعاليات المكملة للتظاهرات السياسية، حتى بات مألوفاً عند العابرين رؤية بعض الشباب وهم يرتدون زياً تنكرياً وسط الشارع أو قيام أحدهم بعرض لوحاته على الاشجار أو فرشها على قارعة الطريق. واستقطبت بعض الفرق الفنية الشبابية مجموعات كبيرة من المتظاهرين الذين التفوا حولها لمشاهدة عروضها المسرحية الرمزية التي كانت تقيمها في ساحة التحرير أيام الجمعة والتي جسدت في شكل أو آخر الكثير من المشكلات التي تناولتها شعارات المتظاهرين ومطالبهم. شباب آخرون استثمروا التظاهرات لإقامة معارضهم التشكيلية التي تحكي قصص المعتقلات العراقية وأوضاع المعتقلين فيها، فضلاً عن معارض أخرى تطرقت إلى قضية تمسك الساسة بالمناصب على حساب الناس ومصالحهم على رغم عدم تمكنهم من تقديم أية انجازات ضمن حدود مسؤولياتهم. الشباب الذين حركوا تظاهرت ساحة التحرير في بغداد لأكثر من عام عادوا لتحريك التظاهرات مجدداً في المدن الثائرة ضد مشكلات مستعصية ابرزها غياب الخدمات إضافة الى الإفراج عن المعتقلين الذين لم تثبت ادانتهم. وعادت المجموعات الشبابية مجدداً لتساند التظاهرات التي انطلقت في عدد من مدن العراق في الوسط والجنوب وفي ساحة التحرير في بغداد، التي عادت هي الأخرى تعج بالمتظاهرين والشباب الراغبين في التعبير عن آرائهم. مبادرات الشباب تلك غالباً ما تجعل القوات الأمنية أقل تشدداً تجاه القائمين عليها، ليس لأنها أكثر تفهماً لطريقة التعبير تلك وأكثر ميلاً لها، بل لأنها غالباً ما تستخف بعقول منفذيها وتعتبر هذا الاسلوب نوعاً من الجنون العلني. مواجهة عنف القوات الأمنية بالطرق المبتكرة من قبل الشباب جعلت التظاهرات تتلون بأكثر من وسيلة للتعبير عن النفس، أما القصص التي دارت بين الشباب هناك فمنحت المكان طمعاً آخر. وأفرزت المرحلة الماضية طاقات شبابية وفعاليات تطوعية لم تكن معروفة قبل التظاهرات الأخيرة، ولكنها أصبحت سمة مميزة للشباب في بلاد لطالما افتقرت لمثل تلك النشاطات. بعض المتظاهرين تعرفوا إلى فتيات أحلامهم في تلك الساحات وجمعت بينهم قصص حب إلى جانب السياسة. وشهدت ساحة التحرير تبادل وعود وزيجات تمت بعد اشهر قليلة من اللقاء. وصمم آخرون على عقد قرانهم في الساحة ولو بعد حين، على رغم المحاذير الأمنية التي يحويها المكان. وعلى رغم انخفاض عدد الفتيات اللواتي يشاركن في التظاهرات حالياً قياساً بأعدادهن عند انطلاقها في بغداد نهاية 2010، إلا أن أعداد الفئة الشابة عموماً ما زالت تمثل النسبة الأكبر من المتظاهرين في بغداد وبقية المدن العراقية.