يسود اعتقاد بأن إسرائيل تتحكم في القرار الأميركي من خلال الكتلة اليهودية في الولاياتالمتحدة، ربما يكون ذلك نصف الحقيقة أو أقل، لأن الكتلة نفسها تتحكم في القرار الإسرائيلي وفق إملاءات واشنطن، فكتلة النار تمتلك القدرة ذاتها على الإحراق عند كل زواياها. أعلاه تمهيد وتنديد بحال إهمالنا للكتل «الجاليات» العاملة في السعودية، ليس لمصلحة التأثير السياسي، بل الثقافي أيضاً، ما نحوزه على أرضنا يزيد على 130 كتلة، قابلة لبناء جسور ثقافية بيننا وبين ديارهم، ثمة فرصة لتقديمنا «بيعنا» إلى العالم بشكل أفضل، وتحسين صورة نمطية عن «السعودي» ذات مؤشرات غير إيجابية «داخلياً، وخارجياً». يفقد الشارع السعودي القدرة - كذلك مؤسسات الحكومة - على نقل سماتنا الثقافية إلى أقوام يعيشون بيننا عقوداً، وكأنهم يعيشون بين شجر لا بشر، حتى على مستوى التخاطب اليومي معهم بتنا «ندقدق» عنق العربية حتى خضعنا لمفردات «هندو - عربي»، أو «أربك - هندو»، هذا انكسار تجاه اللغة بدا وكأنه استكمال لمشوار التخلي عن لهجاتنا لمصلحة «البيضاء»، فثقافة التنازلات المتتالية يصعب لجمها. يستطيع تكتل ذكي من وزارة الثقافة والإعلام، وقبب الأندية الأدبية، كذلك هيئة السياحة، والبلديات رسم خريطة طريق لتمكين المنتج السعودي من المنافسة عالمياً «ثقافياً كان أو سياحياً، اقتصادياً... إلخ»، بتحويل كل كتلة إلى سفير فخري للسعودية في بلدانهم، وفي الاشتعال ذاته إلى سفير شعبي لبلدانهم في السعودية. كان على ضفاف شارع التحلية بجدة مطعم يقدم فولاً وتميساً ومعهما جلسة رائعة مع أربعيني ينتمي للجنسية البنغلاديشية، يتفق زملاؤه على أنه «متنبي قومه»، و«قس بن ساعدة خاصتهم»، ومع ذلك جاء ورحل - بعد سنوات - مجرد «نادل فول» لم تقم له أمسية، ولم يُطبع له كتاب، وكاد ينسى اسمه الحقيقي، لأن كل «الفاولجية» ينادون «صديق» جيب فول، ليت أحدهم قال: جيب شعر. تعود الحكاية بنا إلى واشنطن، هناك المعلم معلم، يحتضن الجميع لدرجة أن «بدواً، وبدويات» من دياري، أصبحوا نجوماً في عالم الموروث الشعبي الأميركي، استطاعوا الاستمتاع بقراءة جماليات أسلوب تقديم الأميركان لثقافتهم اليومية، وحرصهم على تحويل العابرين لصحاري نيفادا إلى ساعي بريد يحمل رسائل الثقافة الأميركية، لو كان «شاعر مطعم الثمرات» هنالك فلن يفقد اسمه. يتشابه تهميشنا للجاليات الأجنبية مع تجاهلنا للجاليات العربية، ويزداد الأفق قسوة وانخفاضاً بعدم إتاحته سماءً أو أرضاً للتواصل الثقافي بين الجاليات، وهذا أيضاً سبب للحيرة، فإذا لا نجد رغبة في بناء جسر «سعودي - جاليات» معهم، لماذا نمنعهم من بناء جسورهم «جاليات - جاليات» ونستمتع بالمشاهدة فقط. يصعب التقليل من ارتفاع نسبة أن يكون «سائق أو خادمة» صاحب قيمة أدبية أو ثقافية أو فنية، فتشوا في قلوبهم، وقلوب كل من تجمعكم معه حياة عمل، لا تحرموا أنفسكم من الدهشة، واكتشاف عجزنا كسعوديين عن تحقيق تواصل عريض مع كوكب الأرض. [email protected] @jeddah9000