يتفق سائقو معظم السيارات المتوقفة في محطات وقود مدن وقرى السعودية على مزامنة فتح غطاء خزان وقود سياراتهم مع جملة تكاد تكون شعاراً لكل السعوديين «عبي بعشرة»، فعلى رغم كونهم أبناء أكبر مخزن للنفط عالمياً فإنهم الأقل اكتراثاً لمتغيرات سعر البنزين، والأكثر جهلاً بعالم النفط. انتقلت «عبي بعشرة» إلى المقيم من غير السعوديين، ما يجعلني أجزم أن فئة الريالات العشرة من العملة السعودية تعتبر الأكثر طبعاً، ونقلاً للأمراض المعدية، لأن نادل البنزين «يرضعها» كطفل يتعلق بثديي أمه، أو كحكيم يكظم غيظه. يحق لفئة الريالات العشرة أن تفتخر بكونها مؤشر الغلاء المعيشي عند غالبية السعوديين، فكل سعر أقل منها يسهل دفعه، لذلك لا يشكل مصروف تلاميذ المدارس أزمة للأسرة، ولا إعادة تعبئة وقود السيارة، لكن ارتفاع سعر السلعة أو الخدمة إلى ما فوق العشرة يفتح باباً للتفاوض، وسؤال «ليش»؟ يسمعها سائقو سيارات الليموزين أكثر من صوت الآذان، لأن العقل الباطن يصرخ «هذا يعبئ بعشرة ريالات، يفرفر ساعة ويجيب 200 ريال» لا يعني ذلك اتهام شركات الليموزين بتأسيس وإدارة أحد أكبر ماكينات غسل الأموال. كان أول ظهور لفئة الريالات العشرة عام 1953 كصك وليس كنقد، محصور استخدامه في زمن وأماكن الحج، وتوجد فقط في أكشاك الصرافة، حتى عام 1961 أتت الريالات العشرة تتوسط أول طيف من العملات السعودية، تحمل صورة الملك سعود، غفر الله له، آنذاك كانت «العشرة ثروة»، وغاب الطيف الأول في نهاية النصف الأول من عام 1971 بقرار سحب جماعي لها من الأسواق، بعدها لم تعد «العشرة ثروة»، ولا حتى فئة ال500 ريال. ناءت الريالات العشرة بنفسها عن مفسدة التزوير، فتزويرها حالياً «ما يسوى قيمة» الحبر، ولا الورق، فهي لم تعد تكفي حتى لشراء كتاب جيد، والسؤال هنا: هل قلت قيمة الريالات العشرة، أم أن السعوديين باتوا أصحاب حماسة ثقافية، ويتعاملون مع الكتاب على أنه ثروة عالية القيمة؟ تحتفظ الريالات العشرة ببعض ماء الوجه، فقدرتها على شراء إبتسامة نادل جمر في مقهى، أو متسول عند مسجد، لا تزال قائمة، على رغم عجزها منفردةً عن شراء بطاقة «اي - تونز»، أو صدر دجاجة، فحتى صدور الدجاج باتت تتعرض «للنفخ»، وزيادة ثمن حيازة حق لمسها باليد أو الفم تقترب الريالات العشرة من احتلال مكان الريال في طيات القسم الشهير «والله ما عندنا حتى ريال واحد»، فهذا القسم جزء من موروث شعبي نشأ «أيام كان الريال ريال»، وعندما يصبح «والله ما عندنا حتى عشرة ريال» فإن الموروث حينها اختار كوكباً آخر قبراً له. كانت الريالات العشرة «كروة»، لا يوجد هنا خطأ إملائي من كلمة كروة، ف«كروة» تعني مكافأة يومية ينالها العامل، كان لمعظم السعوديين كروتهم اليومية، قبل أن تأتي جيوش العمالة اليومية، الوظائف، الرواتب الشهرية، ديوان الخدمة المدنية، ووزارة العمل، فغياب «الكروة» صنع من مجتمعنا «كورة» بين أقدام أهل الربا، شركات التقسيط، والبنوك. [email protected] @jeddah9000