كل شيء فيه «مولده، مرباه، ملبسه، لسانه، لغته، لكنته، مشيته، ضحكته، فكرته، ممارساته، تبذيره، خيباته، طموحاته، حسناته، ومعاصيه» سعودي مبتدأ وخبر، لكن عدم قدرته على دس يده في محفظته لاستخراج «بطاقة هوية سعودي» يؤكد أن ثمة حال «عمى جزئية» في أجهزة حكومية لا تقرأ المشهد التالي. يقول المشهد: إن العاصمة المقدسة مكةالمكرمة تحتضن تكتلات أفريقية ليس لديهم أوراق ثبوتية لكن وحدة اللون، اللغة، العرق، وصعوبات الحياة اليومية، قد تدفعهم ذات يوم لارتكاب حماقات بحجم إغلاق مداخلها ومخارجها بأجسادهم، والسيطرة على المدينة الجبلية، وتحويل إشكالية معيشية إلى أزمة دولية تنتهي بولادة إمارة أفريقية. يأمل كل أب وأم أن يحوز أطفالهم المولدون على الأراضي السعودية جنسيتها، وهو حظ لم يتحقق لملايين من شباب وفتيات باتوا الآن في أعمار وأقدار، كذلك إعذاراً لرفض تكملة حياتهم داخل برواز من قش، أو وفق ريشة بيد بدين يعتقد أن تحريك الناس ومسارات حياتهم يشبه انتاج مسلسل رسوم كرتونية، «تمر سيارة على أجساد أناس لا يموتون ولا يتذمرون». يواجه مواليد السعودية، غير الحائزين على جنسيتها، انكسارات أدبية، إنسانية، مالية، تعليمية، حقوقية، معيشية، وعدم قدرتهم على التأقلم مع فكرة العودة إلى بلدان أجدادهم والعيش هناك إذا كان في جعبتهم وثائق البلد المصدر، أما من لا يملك وثائق تربطه ببلد أجداده فإن فكرة صناعة بلد لأحفاده قد تكون تحت جلبابه. يدرك مجتمع جدةومكة أن كومة القش تخفي جبلاً من حديد، تحديداً عند مدخل مكة من الناحية الشمالية، فطريق أم القرى مجرد وادٍ أفريقي يؤدي إلى الحرم المكي، «يطرفش» على ضفتيه نساء وأطفال يتحدثون ويلبسون أفريقياً، في مشهد يؤكد أن أجهزة الدولة تتعاطى معهم، كما تفعل مع موجات الطيور المهاجرة، لكن ثمة من يعتقد أن للبشر أجنحة. يتحدث «أسياد سوق العقار» عن كون مكةالمكرمة صاحبة بورصة عقارية تصاعدية، ما يعني أن الشرائح الفقيرة من ساكنيها يتدرجون نحو بيئات معيشية أكثر سوءاً، وتسارع أكبر نحو القاع، تماماً كوصف إمرؤ القيس «كجلمود صخر حطه السيل من علٍ»، وعندما يتلّمس الإنسان القاع بيده، ويتأكد من حضيضه، فإن الحياة حينها تأتي عن طريق الموت، ويصبح لون الدم مصدر بقية الألوان. تتساقط مفاتيح حل مشكلات جاليات أفريقية تتسيد المشهد البشري في مكة، ثمة اتجاه لتحقيق أحد الخيارين التاليين: فإما «سعودة» أفارقة مكة، أو «أفرقة» مكة، أيهما أسهل، وأسرع سوف يفرض وجوده على أرضها، كما هي الحال مع جزء غير صغير من مدينة جدة، مكتوب على الخرائط الرسمية له أسماء عدة «الكرنتينة، المحجر، غليل وغيرها»، بينما سائقو الليموزين والجالسون على الأرصفة يطلقون عليه مسمى «جمهورية جمايكا». [email protected] @jeddah9000