شهدت تونس أمس مزيداً من المناوشات بين قوات الأمن ومحتجين على اغتيال القيادي اليساري المناوئ للإسلاميين شكري بلعيد الذي يُخشى أن تتحول جنازته اليوم الجمعة إلى صدامات بين مؤيدي المعارضة ومناصري حركة «النهضة» التي تقود الحكومة. وفيما أعلنت المركزية النقابية «الاتحاد التونسي العام للشغل» بالتنسيق مع أحزاب المعارضة إضراباً عاماً اليوم احتجاجاً على مقتل بلعيد، خلّف قرار رئيس الحكومة الموقتة حمّادي الجبالي تبايناً في وجهات النظر بين أحزاب المعارضة وبين مكوّنات التحالف الحكومي، وأظهر إلى العلن وجود تيار قوي في «النهضة» يعارض سياسات رئيس الحكومة وهو في الوقت ذاته الأمين العام للحركة الإسلامية. وعقد المجلس الوطني التأسيسي، أمس، جلسة عامة استثنائية قاطعتها كتل المعارضة لمناقشة تطورات الوضع في البلاد. وتركّزت مداخلات النواب على قرار الجبالي تشكيل حكومة كفاءات لتسيير شؤون البلاد حتى موعد الانتخابات المقبلة التي شدد على ضرورة إجرائها في أقرب الآجال. وأعلن قياديون في «النهضة» وحليفها في «الترويكا» الحاكمة «المؤتمر من أجل الجمهورية» رفضهم قرار رئيس الوزراء الأمين العام للحزب الإسلامي الحاكم، ليل أول من أمس، تشكيل حكومة كفاءات وطنية مستقلة عن كل الأحزاب السياسية سواء في الحكم أو المعارضة. وردت حركة النهضة بشدة على دعوة الجبالي إلى تشكيل حكومة تكنوقراط وإقالة الحكومة الحالية والتنازل عن وزارات السيادة، وأعربت عن تمسكها بالسلطات التي تتولاها في إطار الحكومة الحالية. ويبدو أن زعيم الحركة راشد الغنوشي قد تفاجأ بالخطوة التي أقدم عليها الجبالي الذي تجاوز «النهضة» وزعيمها عند إعلان خطوته ليل الأربعاء. وقال مراقبون إن خطوة الجبالي أظهرت «عدم اكتراثه بقرارات حزبه، بخاصة وأن قراره لم يُعرض على رئيس الحركة للاستشارة» قبل الإعلان عنه. كما رفض نواب ووزراء من حزب «المؤتمر من أجل الجمهورية» قرار الجبالي واعتبروه انقلاباً على الشرعية، رافضين في الوقت نفسه أن يتم تشكيل حكومة بعيداً عن أحزاب «الترويكا» الحاكمة (تضم «النهضة» و «المؤتمر» و «التكتل»). فقد أكد وزير التشغيل والتكوين المهني عبدالوهاب معطر رفض «المؤتمر من أجل الجمهورية» قرار الجبالي تكوين حكومة تكنوقراط، واصفاً مثل هذه الخطوة ب «الإنقلاب على الشرعية». لكن في المقابل دعمت مكوّنات المعارضة مبادرة الجبالي. وأكد النائب في المجلس التأسيسي عن حزب «التحالف الديموقراطي» المعارض محمود البارودي ل «الحياة»، بعد اجتماع كتل المعارضة في المجلس التأسيسي أمس، دعمهم قرار رئيس الحكومة «تشكيل حكومة كفاءات وطنية». وقال محللون إن مبادرة الجبالي «قطعت شعرة معاوية المتبقية بين ما يُعرف بالمعتدلين والمتشددين داخل حركة النهضة، إذ أظهرت للعيان أن هناك شقاً في حركة النهضة يتمسك بالحكومة مهما كان الثمن». وقد ذهب بعض الأصوات داخل الحركة إلى التهديد بإمكان إقالة الجبالي وسحب الثقة منه. ويتعلل أصحاب هذا الرأي بأن ليس من صلاحيات الجبالي تشكيل حكومة جديدة إلا بتكليف من رئيس الجمهورية منصف المرزوقي، معبّرين عن استعدادهم لترشيح رئيس وزراء آخر من «النهضة» لتشكيل حكومة جديدة وفق ما يقتضيه التنظيم الموقت الحالي للسلطة العمومية. لكن يبدو أن رئيس الوزراء جهّز نفسه لمثل هذا الاحتمال، فقد عقد لقاء مع الأمين العام للإتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة عمالية في البلاد) وتشاور معه حول تشكيل الحكومة الجديدة طالباً الحصول على دعم الاتحاد وأحزاب اليسار، وهو ما تجسّد فعلاً من خلال المواقف الإيجابية التي صرح بها قادة في المعارضة («الجبهة الشعبية» و «الحزب الجمهوري»). وأمام الجبالي «فسحة قانونية» للمناورة من خلال القول إنه ليس بصدد تشكيل حكومة جديدة بل بصدد القيام بتعديل وزاري، ما يعفيه من التوجه إلى المجلس التأسيسي لطلب الثقة. لكنه حتى في مثل هذه الحال يبقى في حاجة إلى دعم غالبية مريحة في المجلس حتى تتمكن حكومته المنتظرة من العمل بعيداً عن ضغوط سحب الثقة منها. ويبقى موقف حركة «نداء تونس»، أبرز أحزاب المعارضة، غير واضح إلى حد الآن بالرغم من اشتراكها في قرار الإضراب العام وتعليق عضويتها في المجلس التأسيسي. فقد عبّر الباجي قايد السبسي رئيس الحركة ورئيس الوزراء السابق عن تمسكه بضرورة استقالة الحكومة وحل المجلس الوطني التأسيسي وعقد مؤتمر وطني للإنقاذ من أجل إيجاد حلول عملية لما تشهده البلاد من أزمات حالياً.