الاثنين 21/1/2013: لا علاقة الناس، في أي زمان ومكان، يخافون الجيش الجرار في عقله الجمعي البدائي، خصوصاً عندما يرون رؤوس من لم يختبئوا مقطوعة وملقاة على الطرق الترابية. واحد من المارة صرخ طالباً الرحمة، لم يفهم الجندي كلامه فعاجله بضربة سيف. لا مجال للكلام فالغازي والشعب المغزو عاجزان عن التفاهم، لغوياً على الأقل. كان لا بد من سنوات، ربما عشرات، ليتعلم أهل البلاد الأصليون لغة الغزاة ويستطيعوا العمل في خدمتهم، بل تقديم خبراتهم في خدمة دولة الغازي. قبل ذلك كانوا خدماً بكماً يتلقون الأوامر بالإشارة وغالباً بالزجر ثم ينفذونها مع رعشة خوف، بل رعشات. كان ذلك غزواً لا تبادل خبرات حضارية. وبعد مئات السنين على الجريمة ونسيان الدم والضحايا، يأتي المفسرون فيلبسون الغزو مسوحاً حضارية. القوي يقهر الضعيف والمتوحش يستعبد المتحضر، والمؤرخون يكتبون من شرفة المنتصر، من حيث يخاطب جنوده موزعاً الغنائم والأسلاب. كل هذا وما يشبهه لا علاقة له بالإيمان. الإيمان علاقة بين المعبود والعابد، بين المخلوق والخالق، بين الفرد وربه، رب العالمين أيضاً. وعندما تصادر المؤسسات المتعسكرة الإيمان وتنسبه إلى نفسها، يذوي هذا الإيمان مثل زهرة ضعيفة بين فكّين من حديد، أي في ثنايا السلاح الذي يقتل، لا يسأل ولا يتردد ولا يتأمل، إنما يقتل مباشرة مثل حجر يقع على رأس إنسان عابر الطريق. ويكاد الناس ينسون الإيمان، فهو يكاد يجف تحت شمس القائد الغازي، ولا أمل إلاّ برحمة الله وبخلاف الغزاة على أسلابنا فيقتلون بعضهم بعضاً ليبقى سكان أصليون قلّة يعمرون ما كان. الثلثاء 22/1/2013: الألم صوتاً عبر الهاتف، تسمع الألم في شكل صوت. إنه صوت المخرج هيثم حقي يتلقى التعزية بشقيقته المهندسة سوسن فلا يتقن الرد على من لا يتقنون تعزية. الألم متبادل لوفاة المهندسة سوسن حقي بعدما قتلها العنف الأعمى مع عشرات الطلاب والأساتذة في مدينة حلب، جوهرة الشرق المغلفة بحرائق. ولأن حلب الحجارة في أبهى حللها العمرانية، كانت سوسن الأقدر على تعريف شكل المدينة وتصنيف عمرانها منذ كانت المحطة الأبرز في طريق الحرير تأنس بلغات العالم المتمدن وأشكال حضاراته، إلى امتداد هذه العراقة التي تلقت ضربة مع افتتاح قناة السويس وانقطاع طريق الحرير، ثم ضربات أخرى مع تنازع دمشق وأنقرة على امتلاك المدينة، ثم اشتراك حلب ودمشق في تكوين سورية الحديثة التي أضعفت روحها المتوثبة سلسلة الحكام العسكريين باستبدادهم وضيق أفقهم. شاهدة العمارة انضمت إلى ضحايا الاستبداد في مدينتها وفي وطنها، وأفضل السبل لبقاء سوسن ومثيلاتها في الذاكرة هو وضوح الثورة السورية والتذكير دائماً بخطابها الأصلي فلا يأتيه نشاز من هنا وهناك. هذا قليل كلام على كثير ألم، لأن المخرج السوري الفنان لا يزال عاجزاً عن تبادل الحديث بوضوح مع معزين لا يتقنون التعزية أمام ألم كبير لخسارة أكبر. الأربعاء 23/1/2013: أهل المشرق لا السلاح ولا خطاب التعصب ولا ستائر الجهل ولا الشيخوخة المبكرة للروح ولا تقديس القادة ولا قطع الطرق بين القرى وبين أحياء المدن. هذه الممنوعات لا تجدي في قهر إنسان يحب، فالحب يتخطى المكان والزمان والأفكار، لنلتقي الآخر أياً كانت حضارته وإيمانه. ونحن أهل المشرق العربي حياتنا مرهونة بالاتصال، فإن انقطع انقطعت وأصبحنا تماثيل حجرية. أهل الحب نحن، فرادى وجماعات، وأنا منهم أحبها، تلك البعيدة، أقطف صدى المطر من زهر البراري متأبطاً ذراع الحبيبة لنطارد معاً الرحمة المبتعدة. تتراجع الوجوه ويتقدم وجهانا، حيث يعجز الضباب عن انتزاعها مني. يتلاحم ظلي بظلها ويتثاقلان حتى حدود النوم. الخميس 24/1/2013: لعبة الحكم يغوص التونسي حسين الواد في أحشاء السلطة الاستبدادية فيرسم عبر روايته «سعادته السيد الوزير» (عن دار الجنوب - تونس) صورة ألعابها الصغيرة، ونتابع بطل الرواية المدرس الفقير الذي يفاجأ بوصول نسيبه (ابن خالته) إلى منصب رئاسة الحكومة، على رغم معرفته بوصولية الرجل وقدرته على تسلق المراتب. وتتضاعف المفاجأة بعد حين عندما يتصل نسيبه ويبلغه قرار تعيينه وزيراً. ولم يكن التوزير بالنسبة إلى نسيبه وإلى المؤسسة الحاكمة، سوى وسيلة لجعل النهب حلالاً لهم وذلك بتحميل المدرس/ الوزير مسؤولية الأخطاء والسرقات وما إليها. شيء من روح العصابة يتلبس الدولة الاستبدادية كما يصورها حسين الواد. ومن تقديم الرواية الذي كتبه شكري المبخوت نقتطف: «ولئن كانت السلطة قائمة في أصلها الوهمي على الرغبة الجامحة في تحصيل المنافع والامتيازات وكل ما ترغب فيه النفس البشرية، أموالاً وحظوة وأجساداً، فإن السيد الوزير، وقد خدم رأس المال ولم يحصل على منافعه واكتسب بعض الجاه ولم يحافظ عليه، لم تتجاوز سعادته تلك اللحظات العابرة التي عاشها وتلك الأجساد التي تلهى بها. لذلك يعترف للقاضي في المرافعة وللقارئ بعد أن انهار صرح أوهامه بما يقوّض، دفعة واحدة، اتساق الرموز جميعاً في نظام واحد. لقد جيء به تيّاساً، وحكم التيّاسة في فتاوى المنافقين من الفقهاء تحليل دون قضاء وطر، لذلك كان معظم التيّاسة الذين ذكرهم التاريخ تندّراً (عنينين أو مجبوبين)، ومتى كانوا أسوياء باتوا ليلة التحليل الشرعي «مقيّدين مكبّلين». يقول السيد الوزير: «لست آسف إلا على شيء واحد. تعرف ما هو؟ إنه تلك المتع العابرة التي غنمتها رغم أنف الحكومة في عقر دارها. تعرف لماذا؟ لأن الذي خرجت به، أن الحكومة ما هي، في الحقيقة، إلا وكر هائل للخناء». وهل في المواخير من حاجة إلى تياس؟ أنف الحكومة؟ واهم هذا الغرّ كما لو أنه لم يفهم أنه أنف غارق في العفن بحكم الحلف المقدس بين الجنس والسلطة حتى قال أحد ثعالب السياسة هنري كيسينجر «السلطة أقوى مثيرات الرغبة الجنسية». ولنا في فضائح السياسيين ورجال السلطة، منذ أقدم العهود، الحجج الدامغة والأدلة القاطعة. هوس بالأجساد يرشح شبقاً كشفت وسائل الإعلام أقله وأكثره أسرار مدفونة في الغرف المغلقة، ولكن الشجرة، في مثل هذه المسائل، لا تخفي الغابة المستورة أصلاً بل تدل على بقية الأشجار فيها». الجمعة 25/1/2013: الوطن أم الحزب؟ مأساة مصر اليوم تشبه مآسي أوطان تحكمت فيها أحزاب أو حركات عقائدية تعتبر وجودها أكثر أهمية من وجود الوطن نفسه، بل تربط وجود الوطن بوجودها. وصولاً إلى مرحلة يتعمم فيها القول: لا يمكن تخيل مصر من دون الإخوان المسلمين. قبل الوصول إلى ذلك يحاول المصريون بالسياسة، أو باستمرار الفعل الثوري لجماعات 25 يناير، أو بمناشدات الحكماء من المصريين ومن محبي مصر العرب والأجانب، تجنيب مصر ما يشبه حرباً أهلية لا تشبه مثيلاتها في العالم. اتصلت بصديقي الواقف مع جموع الثوار في الإسكندرية، قال إنه يلاحظ مظاهر جديدة للاعتراض. شبان ملثمون على دراجاتهم النارية يحملون أسلحة خفيفة. إصرار على اقتحام مقر المحافظة على رغم غازات الأعصاب وإطلاق العيارات التحذيرية. وقال صديقي إن رافضي «الإخوان» أكثر عدداً من أولئك الذين خرجوا رافضين حسني مبارك، وأكد قوله هذا غير مرة.