برزت أخيراً توقعات بتحقيق الولاياتالمتحدة اكتفاءً ذاتياً من النفط فتتوقف عن استيراد الخام. وكان للأنباء المتواترة في شأن إنتاج النفط من الصخر الزيتي دور رئيس في الزوبعة الإعلامية المرافقة. وأشيرَ إلى أن الكلفة المتوقعة لإنتاج برميل من النفط الصخري في الولاياتالمتحدة قد لا تتجاوز 60 دولاراً، وهي كلفة مقبولة في وقت يتجاوز فيه سعر برميل نفط غرب تكساس 90 دولاراً. وتؤكد بيانات اقتصادية تفاوت مستويات إنتاج النفط واستهلاكه في الولاياتالمتحدة خلال العقود الثلاثة الماضية، ففي حين بلغ الإنتاج 8.6 مليون برميل يومياً والاستهلاك 17.0 مليون عام 1980 أصبح الإنتاج 5.5 مليون برميل يومياً والاستهلاك 19.2 مليون عام 2010. ولا شك في أن الأميركيين تمكنوا خلال العقد الماضي من السيطرة على الاستهلاك إذ تراجع من أقصى مستوى له وهو 20.8 مليون برميل يومياً عام 2005، وتقدر دراسات أن التطورات الناتجة من خفض كلفة الإنتاج من الصخر الزيتي قد تؤدي إلى رفع إنتاج الولاياتالمتحدة إلى ما يقارب 11.1 مليون برميل يومياً عام 2020. معلوم أن إنتاج الولاياتالمتحدة أخذ يتصاعد منذ 2011 بفضل النفط الصخري. ولذلك تقدّر الدراسات أن الولاياتالمتحدة قد تصبح أكبر منتج في العالم بحلول عام 2020 إذ سيزيد إنتاجها عن إنتاج السعودية الذي لن يتجاوز 10.6 مليون برميل يومياً في ذلك العام. وتتواجد حقول النفط الصخري في كثير من الولايات الأميركية. لكن الإنتاج من هذه الحقول يظل اقتصادياً ما دامت أسعار النفط مرتفعة فلا تنخفض 50 دولاراً في المستقبل، من دون استبعاد التحسن التكنولوجي في عملية الإنتاج بما يعزز الجدوى الاقتصادية. ويرى مراقبون أن دور منظمة «أوبك» يبقى أساسياً إذ ينتظر منها، لإبقاء الأسعار متماسكة، عدم رفع مستويات الإنتاج. كذلك سيظل مستوى الطلب على النفط من البلدان ذات الاقتصادات الناشئة حيوياً، ومن أهم هذه البلدان الصين والهند وكوريا الجنوبية حيث تؤدي النشاطات الاقتصادية ذات الطابع الإنتاجي والتحولات في مستويات معيشة المستهلكين، إلى ارتفاع مستوى استهلاك النفط. وأشار تقرير لمنظمة الطاقة الدولية إلى أن الطلب على النفط زاد بمقدار 975 ألف برميل يومياً عام 2012 في حين تقدر الزيادة عام 2013 بحدود 930 ألف برميل يومياً، وهي تقديرات أعلى من تلك التي اعتمدت في الأشهر الماضية. وأشارت تقارير إلى تسارع الطلب في الصين ما دفع مستوى الطلب على النفط عالمياً إلى 90.8 مليون برميل يومياً. أما العرض فما زال يواجه تحديات سياسية وفنية في عدد من البلدان وقدِّر المعدل في كانون الأول (ديسمبر) الماضي بحدود 91.2 مليون برميل يومياً. ومن التحديات أن إيران تواجه عزلة اقتصادية خفضت صادراتها النفطية، إلى جانب عجزها عن تطوير القدرات الإنتاجية، فيما تبرز شكوك في قدرة العراق على تسريع رفع مستويات الإنتاج إلى المستويات المأمولة. ولذلك لم يتعد إنتاج «أوبك» في كانون الأول الماضي 30.7 مليون برميل يومياً. لا شك في أن أوضاع العرض والطلب قابلة للتغيير خلال السنوات المقبلة، لكن هل ستتأتى عن ذلك ثورة في اقتصاديات الطاقة تؤدي إلى تراجع الطلب على النفط، وخصوصاً نفط الشرق الأوسط؟ غني عن البيان أن التحولات الاقتصادية التاريخية ممكنة وبرهن التاريخ البشري ذلك من خلال الثورة الصناعية وثورة الطاقة، بعد دخول النفط في المعادلة قبل أكثر من مئة سنة. ومر العديد من البلدان بتحولات اقتصادية هيكلية خلال السنوات ال 50 الماضية، وليس هناك أدل على ذلك من المتغيرات التي شهدتها بلدان جنوب شرقي آسيا وأميركا اللاتينية، والمتغيرات التي شهدتها بلدان صناعية، ومنها الولاياتالمتحدة التي تعزز فيها اقتصاد الخدمات على حساب الصناعات التحويلية. إذاً فالطلب على النفط قابل للتغيير خلال السنوات المقبلة، ليس فقط بفعل عمليات إنتاج النفط والغاز من الصخر الزيتي، لكن أيضاً من عمليات التطور في إنتاج الطاقة البديلة والمتجددة. وأعلن مسؤولون في الولاياتالمتحدة خلال السنوات ال 40 الماضية اهتمامهم بتحرير البلاد من الاعتماد على النفط المستورد كي تتفادى الإدارات الأميركية الانغماس في الأوضاع الأمنية والسياسية في البلدان المنتجة، خصوصاً في الشرق الأوسط، إلا أن التحرر من ذلك الاعتماد على النفط المستورد ما زال سراباً. ويبقى أن المطلوب هو تكاتف جهود المنتجين والمستهلكين من أجل التوصل إلى سيناريوات عقلانية لإنتاج واستهلاك الطاقة بموجب معايير اقتصادية واضحة. فكيف يمكن الوصول إلى توافقات كهذه تسمح بالحفاظ لأطول فترة زمنية ممكنة باحتياطات النفط والغاز، وتعزيز استخدام الطاقة المتجددة والنظيفة وبموجب تكاليف مناسبة للمستهلكين في الدول الصناعية والدول النامية معاً؟ لم تعد مسألة إنتاج النفط والغاز قضية محلية أو وطنية بمقدار ما أصبحت مسألة اقتصادية عالمية، فأي تطور في الإنتاج للنفط والغاز أو غير ذلك من مصادر الطاقة في أي من البلدان يؤثر سلباً أو إيجابياً في الأسعار وأوضاع العرض والطلب عالمياً. وقد يكون من المفيد التعامل بجدية بما طرح حول قدرات الولاياتالمتحدة على زيادة إنتاجها من النفط والغاز، لكن يجب فهم المسألة على أسس أكثر إيجابية، تتفاعل مع أهمية ترشيد الطاقة والحفاظ على الاحتياطات والسيطرة على التكاليف واستقرار الأسعار. * كاتب متخصص في الشؤون الاقتصادية - الكويت