يصعب على اللجنة النيابية الفرعية المكلفة إيجاد قواسم مشتركة تتعلق بأي نظام انتخابي يمكن اعتماده لإجراء الانتخابات النيابية اللبنانية في حزيران (يونيو) المقبل وبتقسيم الدوائر الانتخابية التوصل في أول اجتماعاتها التي تبدأ غداً، تحقيق اختراق جدي يمكن التعويل عليه ليشكل نافذة تتيح للهيئة العامة في البرلمان تطويره لإنتاج قانون جديد. وتقول مصادر نيابية مواكبة للتحضيرات الجارية بين الكتل النيابية المنتمية الى قوى 8 آذار والأخرى في المعارضة، ان الاجتماعات الأولى للجنة ستدور في حلقة مفرغة. وتعزو السبب الى أن كل فريق سيتخذ من مشروعه خطاً أول للدفاع عنه ولن يفرط به، بينما سيتمسك ممثل «جبهة النضال الوطني» في اللجنة النائب أكرم شهيب بإعادة الاعتبار الى قانون عام 1960 مع إدخال بعض التعديلات عليه مراعاة منه للهواجس والمخاوف التي يعبر عنها الأطراف المسيحيون في الموالاة والمعارضة. وتؤكد المصادر نفسها أن الخروج بقانون الانتخاب الجديد من المأزق سيتطلب من كل فريق أن يتقدم خطوة من الآخر ليلاقيه في منتصف الطريق وأن التسوية لن تكون في اعتماد مشروع القانون الذي أحالته الحكومة على البرلمان والرامي الى اعتماد النظام النسبي بالكامل من دون أي تعديل، ولا بتبني المشروع الأرثوذكسي الذي يتيح لكل طائفة انتخاب ممثليها في البرلمان أو بالمشروع المقدم من حزبي الكتائب و «القوات اللبنانية» الذي ينص على اعتماد الدوائر الصغرى في الانتخابات. وترى أن المشروع الأرثوذكسي ولد ميتاً ولا أمل باعتماده، وتعزو السبب الى أمرين، الأول لتعارضه في الجوهر مع اتفاق الطائف، والثاني لأنه يفتح الباب أمام تهديد مبدأ المناصفة في عدد النواب بين المسلمين والمسيحيين. وتضيف المصادر أن المشروع الأرثوذكسي يصب في نهاية المطاف في تطييف قانون الانتخاب، إضافة الى أنه يفتح الباب أمام «شهوة» بعض المتشددين في الشارع الإسلامي للمطالبة بإعادة النظر في تحديد عدد النواب على أساس نسبة الناخبين في كل طائفة. وتلفت الى أن المتشددين، وإن كانوا لا يلقون تأييداً في الشارع الإسلامي ويشكلون أقلية غير فاعلة، فإنهم في المقابل يراهنون على قدرتهم على دغدغة مشاعر البعض، ما يهدد التمسك بتوزيع المقاعد النيابية مناصفة بين المسيحيين والمسلمين. وتعتقد هذه المصادر أن لبنان في غنى عن اقحامه في مغامرة سياسية وطائفية ليست في محلها. وبالتالي لا بد من صرف النظر عن المشروع الأرثوذكسي على رغم ان بعض حلفاء رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون يوحون له بأنهم يوافقون على أي مشروع لقانون الانتخاب يحظى بإجماع المسيحيين. وتؤكد أنهم، بموقفهم هذا، يسلفون عون تأييداً إعلامياً غير قابل للصرف أو للتطبيق، خصوصاً أن من يبيعه هذا الموقف يراهن ضمناً على أن الترويج له سيصطدم عاجلاً أو آجلاً بحائط مسدود. الدوائر الصغرى وهواجس جنبلاط أما في خصوص الموقف من الدوائر الصغرى، فإن تيار «المستقبل» كان أبلغ حليفيه حزبي «الكتائب» و «القوات» أنه لن يكون عائقاً أمام اعتماده، لكن ذلك يتطلب من واضعيه إقناع رئيس «جبهة النضال الوطني» وليد جنبلاط بالموافقة عليه، لأنه من دونه سيلقى معارضة في البرلمان. وكان جنبلاط لمّح، وفق المصادر نفسها في اللقاء الذي جمعه ورئيس كتلة «المستقبل» النيابية رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة في المختارة في حضور قياديين من الحزب التقدمي الاشتراكي و «المستقبل»، الى أنه يستعد لمواجهة معركة انتخابية قاسية في الشوف. وفهم في حينها السنيورة ومن معه ما يقصده جنبلاط من وراء كلامه، وبادر نادر الحريري مدير مكتب رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، الى طمأنته بعدم التخلي عن تعاونه معه في الانتخابات على رغم ان الفريقين اتفقا على أن من السابق لأوانه الحديث عن التحالفات الانتخابية. ومنذ ذلك الاجتماع لم يصدر أي موقف عن «المستقبل» مغاير لما قيل في اجتماع المختارة، مع أن البعض في الموالاة والمعارضة يعتقد أن المواقف الأخيرة الصادرة عن جنبلاط يمكن أن تدفع في اتجاه إعادة النظر في موقف «المستقبل» منه. كما أن الاجتماع الذي عقد الجمعة الماضي في بعبدا وضم رئيسي الجمهورية ميشال سليمان والحكومة نجيب ميقاتي وجنبلاط لم يتطرق بالتفصيل الى قانون الانتخاب الجديد وإنما جرى استعراض مجمل المشاريع المطروحة. وتقرر في هذا الاجتماع، كما علمت «الحياة»، التريث في اتخاذ أي موقف حاسم من قانون الانتخاب، مع أن مشروع القانون الذي تقدمت به الحكومة يقوم على اعتماد النظام النسبي. وترد مصادر وزارية ذلك الى ان هناك رغبة جامعة في عدم الالتفاف على اللجنة الفرعية قبل أن تباشر اجتماعاتها، أو الاستعجال في حرق المراحل التي يمكن أن تقحم المجتمعين في مزايدات انتخابية يفضلون البقاء في منأى عنها، لا سيما أن اللجنة ستنوب عنهم في هذه المزايدات قبل أن تدخل في نطاق البحث الجدي عن قواسم مشتركة. انتظار الظروف لكن مصادر أخرى تعتقد أن مهمة اللجنة الفرعية لن تكون في المدى المنظور سوى حاضنة لتمرير الوقت ريثما تنضح الظروف لتحقيق ثغرة في مكان ما يتلقفها رئيس المجلس النيابي نبيه بري ويتخذ منها نافذة لإعادة تحريك دور الهيئة العامة في هذا الخصوص. وتشكك هذه المصادر منذ الآن في قدرة أصحاب المشروع الأرثوذكسي أو واضعي الدوائر الصغرى على تسويق مثل هذه التقسيمات الانتخابية، وترى أن موقف رئيس الجمهورية منها يشكل عائقاً أمام رؤيتها النور، وهذا ما نقله عنه عدد من الوزراء والنواب، وهو ليس في وارد التوقيع على مشاريع تشكل خرقاً لما نص عليه اتفاق الطائف ولما يراه مناسباً الانطلاق منه على قاعدة اعتماد الحد الأدنى من النظام النسبي الذي تبناه مجلس الوزراء. إلا أن رئيسي الجمهورية والحكومة، كما تقول المصادر، يبديان تفهماً للهواجس والمخاوف التي يعبر عنها باستمرار جنبلاط ويؤيدان التقسيم الذي يريحه، شرط ألا يزيد من مخاوف الآخرين وهي مشروعة أيضاً. كما أنه تبين أن ما تردد أخيراً من أن «التيار الوطني الحر»، بدعم من بعض حلفائه وأولهم «حزب الله»، يدعو الى إعادة النظر في عدد النواب لجهة العودة الى خفضه من 128 نائباً الى 108 نواب، لا يعكس واقع الحال وأن هذه الفكرة طرحت همساً قبل أن يتقرر صرف النظر عنها وسحبها من التداول. وتؤكد مصادر نيابية أن هذه الفكرة طرحت في جلسات مغلقة من باب استمزاج الرأي، لكنها تراجعت كلياً نظراً الى أن خفض عدد النواب يعني العودة الى توزيع المقاعد الذي اعتمد عام 1991 عندما تقرر زيادة عدد النواب المسلمين من 45 الى 54 ليتساوى عددهم مع النواب المسيحيين، إضافة الى تعيين نواب جدد خلفاً للمتوفين. وتضيف ان العودة الى تشكيل البرلمان من 108 نواب تعني حرمان الطائفة العلوية من التمثيل النيابي، لأن تمثيلها جاء في أول انتخابات نيابية أجريت في لبنان عام 1992 بعد انتهاء الحرب الأهلية، وهذا يؤدي الى افتعال مشكلة يمكن استغلالها من البعض من خلال ربطها بالأزمة المتصاعدة في سورية. الى ذلك، هناك من يسأل هل ستجرى الانتخابات النيابية في موعدها وما هي الضمانة لإنجاز هذا الاستحقاق الذي سيؤدي الى إعادة إنتاج السلطة السياسية، خصوصاً أنها تأتي قبل أقل من عام من انتهاء ولاية رئيس الجمهورية. وفي هذا السياق، قالت مصادر وزارية ان وزير الداخلية والبلديات مروان شربل كان أعد المرسوم المتعلق بدعوة الهيئات الناخبة للاشتراك في الانتخابات النيابية التي ستجرى دفعة واحدة في التاسع من حزيران المقبل، ووقع عليه وأحاله الى رئيس الحكومة للتوقيع عليه تمهيداً لرفعه الى رئيس الجمهورية للغرض ذاته. وأضافت ان الوزير شربل تذرع بتوجيه الدعوة منذ الآن، لفسح المجال أمام المديرين العامين ممن يرغبون في الترشح للاستقالة قبل ستة أشهر من موعد الانتخابات، لكن الرئيس ميقاتي ارتأى تحويلها الى هيئة القضايا والتشريع في وزارة العدل للوقوف على رأيها انطلاقاً من أن لا مبرر لتوجيه الدعوة منذ الآن طالما ان العرف يقضي باستقالتهم قبل ستة أشهر. واعتبرت المصادر الوزارية أنه يمكن توجيه الدعوة في الأسبوعين الأولين من آذار (مارس) المقبل، وتحديداً قبل ثلاثة أشهر من موعد الانتخابات، على أن يعود للبرلمان تعديل القانون الحالي، ما يحفظ حق الموظفين في الترشح، وقالت ان الدعوة لا يمكن أن تؤثر في عزم الحكومة على انجاز هذا الاستحقاق. ونقلت عن ميقاتي قوله إنه عازم على إجراء الانتخابات في موعدها وأنه لن يترك للمشككين في صدقيته مجالاً للتشكيك به، خصوصاً أن المجتمع الدولي يدعم إتمامها ويعارض تأجيلها، وبالتالي ليس لدى رئيس الحكومة نية في الصدام معه. وأكدت أن عدم إجراء الانتخابات سيرتب على ميقاتي اتخاذ الموقف الذي ينسجم مع قناعته برفض تأجيلها. لكن مصادر نيابية توقفت أمام اللقاء الذي عقد أخيراً بين بري وسفيرة الولاياتالمتحدة مورا كونيللي وقالت ان البند الحاضر فيه كان التوافق على انجاز هذا الاستحقاق الدستوري. ولفتت الى ان لسفراء الاتحاد الأوروبي موقفاً مماثلاً للموقف الأميركي، وقالت ان بري قادر على ابتداع المخارج، ولم يغب عنها السؤال عن التطور في الموقف الأخير لرئيس حزب «القوات» سمير جعجع الذي أيد فيه اجتماع الهيئة العامة في البرلمان في حضور الحكومة إذا كان الهدف منه إقرار قانون الانتخاب الجديد.