الأرجح أن العام 2012، كان مشرقاً بقوة بالنسبة الى المهتمين بشأن المادة السوداء، التي ما زالت أمورها غامضة علمياً، كما أنها لم تصبح موضوعاً مُكرّساً للبحث العلمي إلا قبل قرابة 15 سنة. ففي 2012، عقد مؤتمران علميان كبيران عن هذا الموضوع. لعل أبرزهما هو «المؤتمر العاشر للمادة السوداء» الذي استضافه «معهد كاليفورنيا للتقنية» في مدينة لوس أنجليس UCLA Dark Matter 2012. ويكفي القول انه المؤتمر السنوي العاشر للمادة السوداء في مركز علمي أميركي متقدّم، لتوضيح مدى جدّة هذا الموضوع علمياً. ومثلاً، لو عُقِدَت مؤتمرات سنوية عن الجاذبية منذ صوغ نظريتها علمياً على يد العالِم البريطاني إسحق نيوتن، خصوصاً منذ إصدار كتابه المرجعي «برينكيبا» عنها في 1687، كم يكون رقمه؟ واستضافت جامعة شيكاغو المؤتمر الثاني، وحمل عنوان «المؤتمر الدولي التاسع للتعرّف على المادة السوداء- 2012». ووفق المؤتمرين، بات من شبه أكيد ان الطاقة السوداء تعمل بصورة مستمرة ودائمة وثابتة، وتؤثّر في تركيب الكون لأنها تدفع المجرّات إلى التباعد بعضها عن بعض باستمرار. ماذا يعني القول ان قوةً ما «تعمل بصورة مستمرة ودائمة وثابتة». لفهم الأمر، يكفي القول ان الجاذبية هي قوة ينطبق عليها الوصف السابق، إذ أنها تؤثّر على الأشياء باستمرار وثبات. ويعني ذلك أن الطاقة السوداء هي قوة ذات طبيعة خاصة (ولو أنها غير مفهومة كثيراً حاضراً) تمارس تأثيرها بطريقة معاكسة لما تكونه الجاذبية، بمعنى أنها تبعد الأشياء عن بعضها البعض، وتفرّقها. ومن المفارقة ان آلبرت إينشتاين تنبّه إلى إمكان وجود قوة بهذه المواصفات، لكنه تراجع عن هذه الفكرة مكتفياً بتصور أن للكون حدوداً ثابتة. ووصف الفكرة، التي ثبت صحّتها لاحقاً، بأنها غلطته الكبرى! وفي ثلاثينات القرن العشرين، لاحظ عالم الفضاء أدوين هابل ظاهرة تمدّد الكون وتباعد أطرافه عن بعضها البعض، بصورة مستمرة. ووجّه هذا الاكتشاف ضربة أولى لنظرية إينشتاين. أضخم من الكون قبل قرابة سنتين، جمعت «ناسا» وجامعة سوينبرد، معلومات تأتّت من تلسكوب الفضاء «غالكسي إيفوليوشن إكسبلورر»Galaxy Evolution Explorer، ومرصد للفلك في جبل «سايدنغ سبرنغ» Siding Spring (أستراليا) يحتوي منظاراً نوعياً ضخماً هو «التلسكوب الأنكلو- أسترالي» Anglo- Australian Telescope. وتضمّنت المعلومات نتائج مراقبة التلسكوبين المذكورين لقرابة مئتي ألف مجرّة في الكون، على مدار 5 سنوات. وتولى فريق علمي تحليل هذه المعلومات. وبيّن أن المادة السوداء وطاقتها تدفع بالكون إلى التباعد بعضه عن بعض. وشدّد على ان هذه النتائج سدّدت ضربة موجعة لإحدى النظريات التي نفت وجود الطاقة السوداء ومادتها، ناسبة ظاهرة تباعد المجرّات إلى أن الجاذبية عند أطراف الكون تعمل بشكل مقلوب، فتباعد بين الأشياء بدل تقريبها! أخيراً، تجدر الإشارة الى أن الطاقة السوداء تشكّل 74 في المئة من الكون، وأن مادتها تكوّن 22 في المئة من أشيائه. وبالمقارنة، تشكّل المادة الطبيعية، أي تلك المكوّنة من ذرات وجزئيات، قرابة 4 في المئة من الكون، لكنها كانت كافية لمجرات الكون ومحتوياتها كافة! للمزيد من المعلومات، يمكن الرجوع إلى الموقعين الإلكترونيين للمؤتمرين المذكورين: /hepconf.physics.ucla.edu/dm12 وkicp-workshops.uchicago.edu/IDM2012/overview.p