ماذا لو قذفت كرة الى الأعلى، وتابعتها بنظرك، وفتحت ذراعيك منتظراً هبوطها لتلقطها، فإذا بها تبتعد أكثر فأكثر، بسرعة متزايدة؟ هل تكتفي بالقول أنك فوجئت، أم تحس بأن الأرض تحتك تتلاشى، وتخاف أن قوة ما مجهولة قد تنتزعك من موضعك المكين، كأنها تمزّق ما يربطك بالأرض؟ بمثل هذه الصور، يفكر علماء الفضاء بالطاقة القاتمة Dark Energy، وهي قوة ما زالت غامضة، بل إن الخلاف علمياً حولها مازال مستعراً. لكن ما أعلنته "الوكالة الأميركية للفضاء والطيران" ("ناسا") أخيراً، يشير إلى أن الجدال علمياً بشأن هذه الطاقة (وكذلك المادة القاتمة المتداخلة معها)، بات شبه منته، في الأوقات الحاضرة على الأقل. فبحسب دراسة مطوّلة لفريق علمي قاده البروفسور كريس بلايك، أستاذ كرسي فيزياء الفضاء في جامعة سوينبرد في ملبورن بأستراليا، نشرت في مجلة " نوتيسز أوف زي رويال أسترونوميكال سوسايتي" أخيراً، Notices of the Royal Astronomical Society، بات من شبه المؤكّد ان الطاقة القاتمة تعمل بصورة مستمرة ودائمة وثابتة، وتؤثّر في تركيب الكون لأنها تدفع المجرّات إلى التباعد عن بعضها بإستمرار. ماذا يعني أن قوة ما "تعمل بصورة مستمرة ودائمة وثابتة"؟ لفهم الأمر، يكفي القول أن الجاذبية هي قوة ينطبق عليها الوصف السابق، إذ أنها تؤثّر على الأشياء باستمرار وثبات. ويعني ذلك أن الطاقة القاتمة هي قوة ذات طبيعة خاصة (ولو أنها غير مفهومة كثيراً حاضراً) تمارس تأثيرها بطريقة معاكسة لما تكونه الجاذبية، بمعنى أنها تبعد الأشياء عن بعضها البعض، وتفرّقها. ومن المفارقة ان آلبرت إينشتاين تنبّه إلى إمكان وجود قوة بهذه المواصفات، لكنه تراجع عن هذه الفكرة مكتفياً بتصور أن الكون له حدود ثابتة. ووصف تلك الفكرة، التي ثبت صحّتها لاحقاً، أنها غلطته الكبرى! وفي ثلاثينات القرن العشرين، لاحظ عالم الفضاء أدوين هابل ظاهرة تمدد الكون وتباعد أطرافه عن بعضها البعض، بصورة مستمرة. وأخيراً، جمعت "ناسا" وجامعة سوينبرد، معلومات تأتّت من تلسكوب الفضاء "غالكسي إيفوليوشن إكسبلورر"Galaxy Evolution Explorer، ومرصد للفلك في جبل "سايدنغ سبرنغ" Siding Spring (أستراليا) يحتوي منظاراً نوعياً ضخماً هو "التلسكوب الأنكلو- أسترالي"Anglo- Australian Telescope. وتضمّنت المعلومات نتائج مراقبة التلسكوبين المذكورين لقرابة مائتي ألف مجرّة في الكون، على مدار 5 سنوات. وتولى فريق بلايك تحليل هذه المعلومات. وتوصّل إلى أن الطاقة القاتمة تدفع بالكون إلى التباعد عن بعضه البعض. وشدّد بلايك على ان هذه النتائج سدّدت ضربة موجعة لنظرية تنفي وجود الطاقة القاتمة ومادتها، ناسبة ظاهرة تباعد المجرّات إلى أن الجاذبية عند أطراف الكون تعمل بشكل مقلوب، فتباعد بين الأشياء بدل تقريبها! أخيراً، تجدر الإشارة الى أن الطاقة القاتمة تشكّل 74 في المئة من الكون، وأن المادة القاتمة تكوّن 22 في المئة من أشيائه. وللدلالة على ضخامة الرقم الأخير، أن المادة الطبيعية، أي تلك المكوّنة من ذرات وجزئيات، لا تشكل سوى 4 في المئة من الكون، لكنها مادة المجرات ومحتوياتها كافة! للمزيد من المعلومات، يمكن الرجوع إلى موقع وكالة الفضاء الأميركية "ناسا.غوف" nasa.gov. إعداد أحمد مغربي