هناك من يخشى من تكرار السِّيناريو الإيراني وهناك من يسعى إليه. هناك من يخشى مآلاً أشدّ قتامة وهناك من يهدف إليه. في كل الأحوال، تظل كل الاحتمالات واردة. لكن، في حال الرّبيع العربي ومآلاته، ليس مرجّحاً أن يتكرّر السيناريو الإيراني، للأسباب الآتية: معرفياً، يحتاج كل نظام شمولي - أكان دينياً أم وضعياً - إلى ثلاثة شروط أساسية: أولاً، انتشار إيديولوجية خلاصية؛ ثانياً، صعود زعامة كاريزمية شعبوية؛ ثالثاً، احتكار الدولة لأجهزة الدعاية. هذه الشروط ليست متوافرة في حالة الرّبيع العربي، وقد لا تتوافر خلال الأجل المنظور لأسباب سياسية وثقافية وفنية أو تقنية. في الحالة الإيرانية، استطاعت الإيديولوجية الخلاصية، والتي هي مزيج مركب من الماركسية والإسلام السياسي، كما تمثّلتها وتأوّلتها كتابات الخميني وعلي شريعتي وأحمد فرديد ورضى دوري، أن تجد بيئة ثقافية حاضنة تتمثل في الفكرة المهدوية ذات المنشأ الشيعي. كما أن الزّعامة الكاريزمية في شخص الإمام الخميني وجدت بيئة ثقافية حاضنة من خلال وظيفة نائب «الإمام الغائب»، والتي جاءت دسترتها إيذاناً بتحوّل مسار الثورة نحو الدولة الدينية، «ولاية الفقيه». فضلاً عن ذلك، فإن وسائل التواصل والدعاية إبان الثورة الإيرانية كانت هي التلفاز والرّاديو والكاسيت وخطب الجمعة، وهي وسائل اتصال عمودية تنطلق أفقياً من سلطة الصوت في الأعلى إلى أذن المنصت في الأسفل، على طريقة «أنصتوا يرحمكم الله»، أو في ما يسميه جاك دريدا ب «مركزية الصوت». أثناء تلك العلاقة العمودية بين الصوت والأذن، انتشرت الإيديولوجيات الشمولية الدينية والوضعية وازدهرت. في حال الربيع العربي، ماذا نلاحظ؟ لم يفلح الإسلام السياسي في بناء إيديولوجية خلاصية قوية ومهيمنة؛ وهذا بسبب أن الفضاء السنّي لا يمثل بيئة حاضنة لمبدأ الخلاص. لذلك، في وسعنا أن نؤكد أن كل محاولة لبناء دولة دينية لن تنتهي إلى غير الفتن. كما أن الزعامات الإخوانية والسلفية لم ولن تفلح في إنتاج أي كاريزمات شعبوية، عدا الشتات في الوجوه التي يثير بعضها السخرية. والحال أن تقنيات التواصل الجديدة لم تعد تساعد في بروز أي كاريزمات شعبوية. فإذا كانت أجهزة التلفاز والرّاديو ومنابر الجمعة والجامعات تعتمد مركزية الصوت المالك للحقيقة أو الناطق باسمها، وهي أجهزة قابلة للاحتكار والهيمنة من طرف الدولة، فإن منتديات التواصل الاجتماعي (فايسبوك، تويتر...) تقوم على المشاركة والتفاعل المفتوح في إنتاج الخطاب، وهي آليات لا تحتمل أي هيمنة أو احتكار من طرف أي كان. لقد غادرنا حقبة الاستبداد وبدأنا ندخل في حقبة مفتوحة على احتمالين، ليس ضمنهما الدولة الدينية: إما انتصار قيم المجتمع الديموقراطي أو النفخ في رماد الفتن. * كاتب مغربي