[CENTER][SIZE=4][B]خامنئي ونجاد في انتظار المهدي[/B][/SIZE][/CENTER] قاسم قصير / كاتب وباحث بيروت ومن دون شك، فإن ذلك يطرح دلالات كثيرة، أهمها خفوت مكانة المرشد الأعلى للجمهورية في رؤية الرئيس احمدي نجاد وأنصاره من المتشددين، باعتبار أنه لا مجال الآن لوسيط بين الحكومة والإمام الغائب، وأن الدور الذي كان يمارسه المرشد الأعلى باعتباره حلقة الوصل بين الإمام المهدي وجمهور الشيعة ما عاد يحظى بأهمية لدى هذا الفريق، الذي بات يسيطر على معظم مفاتيح صنع القرار في طهران.. كشفت مصادر مطلعة على الأوضاع الإيرانية، أن الخلاف بين مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية السيد علي الخامنئي ورئيس الجمهورية المهندس محمود أحمدي نجاد ليست خلافات تفصيلية أو جزئية، بل تتمحور حول بعض القضايا العقائدية والفكرية الأساسية، والتي تمس جوهر النظام الإسلامي في إيران، وأن قضية إقالة وزير المخابرات حيدر مصلحي ليست سوى الوجه المعلن لهذا الخلاف الذي قد يزداد في المرحلة المقبلة رغم ما أعلنه نجاد عن التزامه بأوامر الخامنئي وتنفيذها. وتشير هذه المصادر، أن مستشار نجاد ووالد زوج ابنته، رحيم مشائي، هو الذي يلعب دوراً أساسيا في هذا الخلاف، كونه يحمل مشروعاً فكرياً وسياسياً يؤثر في مستقبل الجمهورية الإسلامية ونظامها السياسي والفكري. وهذا المشروع يرتكز على أن ظهور ظهور الإمام المهدي (وهو الإمام الثاني عشر عند المذهب الشيعي) قد أصبح قريباً، وأن مشائي يتواصل معه مباشرة، وذلك سيؤدي إلى إلغاء دور مرشد الجمهورية الإيرانية (الذي هو بمثابة الولي الفقيه ونائب الإمام المهدي حسب الدستور الإيراني). أما البعد الثاني في المشروع، فهو يتركز على ضرورة إعادة البعد القومي في الفكر الإيراني، وتقديمه على الجانب الإسلامي، وذلك لإعادة التواصل مع كل الإيرانيين المهاجرين في الغرب، والاتجاه نحو حل مشاكل إيران الخارجية، سواء مع أمريكا أو الكيان الصهيوني. وتضيف هذه المصادر، أن بعض قادة الجمهورية الإسلامية والحرس الثوري الإيراني بدأوا يتحدثون عن اختراق الحركة الماسونية لفريق عمل نجاد، والذي يعمل للسيطرة على الوضع تمهيداً للانتخابات النيابية والرئاسية المقبلتين، لأن نجاد لم يعد له الحق في ولاية ثانية، مما سيجعل من مشائي مرشحاً أساسيا. كما أن المطلوب السيطرة على مجلس الشورى الجديد في مواجهة القوى المحافظة، والتي تتكون من رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني وشقيقه مسؤول القضاء الشيخ صادق لاريجاني ورئيس بلدية طهران محمد باقر قاليباف وغيرهم من القيادات الإيرانية المؤيدة للخامنئي... ولم يخف المسؤولون الإيرانيون، وخصوصاً الفريق المقرب من الرئيس نجاد، حقيقة هذا المشروع وأبعاده، مؤكدين أن ورود مصطلحات "الإمام المهدي" و"الدولة المهدوية" و"صاحب الزمان"، التي ترد في خطابات الرئيس نجاد ليست عفوية، بل هي إشارات مقصودة لإيصال رسالة محددة، سواء للرأي العام الإيراني أو للجهات العربية والإسلامية والدولية. لكن ما هي علاقة المشروع الإيراني السياسي العسكري والتكنولوجي بالدولة المهدوية؟ وهل للملف النووي الإيراني ارتباط بهذه العقيدة الدينية؟ منذ انتصار الثورة الإسلامية وتسلم الإمام الخميني لموقع المرشد للجمهورية الإسلامية، سادت في الأوساط الشيعية المرتبطة بإيران مقولات تعتبر أن الإمام الخميني هو الذي سيسلم الراية للإمام المهدي، وأن الحرس الثوري الإيراني سيكون جيش الإمام المهدي المقبل، وأن "المطلوب إعداد جيش قوامه عشرين مليون فرد ليكون الجيش الذي يقاتل مع الإمام المهدي عند ظهوره". لكن وفاة الإمام الخميني قبل تسليمه الراية للمهدي، أدى إلى انتشار حالة من التساؤل والقلق لدى بعض هذه الأوساط، فتم الترويج لاحقا أن الإمام الخامنئي هو الذي سيسلم الراية للمهدي، لأنه من خراسان (مشهد)، وذلك تطبيقا لبعض الأحاديث من "أن رجلا من خراسان سيسلم الراية للإمام". كما أنه عند حصول أي تطورات سياسية أو عسكرية كبرى في العالم الإسلامي، يتم الربط بينها وبين الإمام المهدي، كما حصل خلال التحرك العسكري الذي قام به جهيمان في مكةالمكرمة، وكذلك عند احتلال الرئيس العراقي صدام حسين للكويت واندلاع حرب الخليج. ولكن منذ وصول الرئيس محمود احمدي نجاد لرئاسة الجمهورية، انتشرت بقوة أفكار جديدة بأن نجاد هو من أنصار المهدي، وأنه سيعد إيران لتكون مركزا أساسيا لانطلاق الإمام، خصوصا على صعيد الركائز العسكرية والتكنولوجية... وتم طبع ونشر العديد من الكتب والدراسات التي تربط بين نجاد والإمام المهدي. ويسود لدى بعض الأوساط الإسلامية في إيران وفي عدد من الدول العربية، أن ما يجري في الجمهورية الإسلامية هو الإعداد والتهيئة لظهور الإمام، وقد حرص الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد على إبراز هذا الأمر بشكل دائم في خطاباته ومواقفه، كما أن بعض هؤلاء يعتبر "أن حصول إيران على التكنولوجيا النووية هو جزء من التحضير والاستعداد لظهور الإمام، لأنه لا بد من امتلاك التقنيات والتكنولوجيا القادرة على مواجهة التقنيات والقدرات الغربية، فالإمام سيدير العالم وفقا لنظام عالمي جديد في مواجهة الرأسمالية الغربية وبعد فشل الاشتراكية والشيوعية". وتنتشر في الأوساط الشيعية حلقات نقاش وحوار خاصة غير معلنة متخصصة بكل ما يتعلق بالامام المهدي، حيث يتم دراسة الأحاديث والروايات عن الرسول والأئمة وتطبيقها على الوقائع السياسية الحالية، ويتم الربط بين كل تطور عالمي وبين هذه الأحاديث. *هل "المهدوية" مشروع نجاد لتجاوز خامنئي: وقد برز مؤخراً التزايد الملحوظ في نفوذ الحرس الثوري داخل المؤسسات المختلفة، مع ظهور مؤشرات توحي بتوتر مكتوم بين المرشد الأعلى السيد علي خامنئي والرئيس احمدي نجاد، الذي يدعم بقوة نفوذ "التعبئة العامة" (الباسيج)، حيث ازداد قيام الرئيس نجاد بالترويج لنظرية "انبعاث المهدوية"، وعمد إلى تكرار مصطلحات "الدولة المهدوية" و"صاحب الزمان" و"الإمام المهدي" في الكثير من خطاباته. وكان الهدف من ذلك توجيه رسائل للداخل قبل الخارج، بأن المشروع الذي تجتهد حكومته من أجل تحقيقه هو التعجيل بعودة الإمام. ومن دون شك، فإن ذلك يطرح دلالات كثيرة، أهمها خفوت مكانة المرشد الأعلى للجمهورية في رؤية الرئيس احمدي نجاد وأنصاره من المتشددين، باعتبار أنه لا مجال الآن لوسيط بين الحكومة والإمام الغائب، وأن الدور الذي كان يمارسه المرشد الأعلى باعتباره حلقة الوصل بين الإمام المهدي وجمهور الشيعة ما عاد يحظى بأهمية لدى هذا الفريق، الذي بات يسيطر على معظم مفاتيح صنع القرار في طهران. ويحظى الرئيس نجاد وفريقه بدعم خاص من أحد كبار رجال الدين الإيرانيين، وهو آية الله محمد تقي مصباح يزدي، صاحب الآراء المتشددة على صعيد الارتباط بالإمام المهدي، وأن طاعة رئيس الجمهورية واجبة كطاعة الإمام المهدي. وقد أدى دعم آية الله مصباح يزدي للرئيس احمدي نجاد إلى بروز وجهات نظر معارضة له، وفي هذا السياق أطلق السيد علي أكبر محتشمي (وزير الداخلية السابق وأحد مؤسسي حزب الله) والسفير الإيراني الأسبق لدى سوريا، تصريحات معارضة ليزدي ونجاد، ومما قاله "إن جماعة المصباحية (نسبة لمصباح يزدي) لا تقف مكتوفة الأيدي، إنهم جماعة خطرة جداً وعنيفة جداً ولا تظهر شفقة إزاء أحد، ولا حتى تجاه الإمام الخميني ولا آية الله خامنئي، إنهم يستخدمونه للوصول إلى غاياتهم، وحينما يتحقق لهم ذلك فإنهم سيدمرون القائد الأعلى أيضاً". وأضاف محتشمي: "أنا متأكد من أن السيد مصباح يزدي لا يؤمن بالقائد الأعلى ولا بالإمام الخميني، وهو لم يكن حا ضرا في الحرب ولا في مواقع أخرى". وتكشف هذه التصريحات حجم الإشكاليات التي يطرحها "مشروع المهدوية". * بين المهدوية والحجتية: يبدو أن إحياء المهدوية الذي استجدّ في السنوات الأخيرة بمثابة ردّ على الفساد الاقتصادي، والقمع الاجتماعي، والانحدار الثقافي. ومع أن بعض الذين يرتبطون بالتيار المهدوي في إيران حالياً يعبرون عن حالة من البعد عن السياسة، وهذا ما يظهر من خلال إحياء جمعية "الحجّتية"، فإن معظمه هو من نوع المهدويّة الثورية التي ترتبط بالرئيس أحمدي نجاد. في كلا النوعين: غير المسيّس والمسيّس، من المهدوية، لا يلعب رجال الدين دوراً بارزا. الاستثناء الوحيد في التيار المهدوي الذي يتزعّمه أحمدي نجاد هو "محمد تقي مصباح يزدي"، الذي يتمتّع بالاحترام في حوزة قم على المستوى الفقهي، غير أنه معزول سياسياً. ويتّخذ كثير من رجال الدين والفقهاء البارزين موقف ارتياب عميق إزاء المهدوية، لأن المهدويين يؤمنون بأن الإسلام يعيش حالة أزمة، وبأن مؤسسات الإسلام التقليدية قد انحرفت عن "الصراط المستقيم" للإسلام وباتت عاجزة، بالتالي، عن القيام بواجباتها. ويعتقد المهدويون أنهم هم من يمثّل الإسلام الصحيح، في حين أن رجال الدين ليسوا سوى المؤوّلين الشكليين والتقليديين للإسلام. كما يعتبر دعاة "آخر الزمان الوشيك"، أن الإٍسلام ليس سوى مسارٍ من الانحدار والانحطاط. يمكن التعبير عن الفارق الرئيس بين المهدوية غير المسيّسة والتيارات السياسية الجديدة على النحو التالي: أولاً، ينظر أعضاء "الحجّتية" إلى المستقبل برجاء، في حين يعتبر التيار السياسي الجديد أن الماضي هو "اليوطوبيا"، ويسعى لإحياء السنن الشيعية؛ ثانياً، يؤمن أعضاء "الحجّتية" بتطوّر المجتمع وتقدّمه (بل إن بعضهم متأثّر ب"داروين" و"سبنسر")، في حين يؤكّد المهدويون الجُدُد على الثورة وليس على التطّور؛ ثالثاً، ينتمي أعضاء "الحُجّتية"، عادةً، إلى الطبقات الوسطى الحديثة المتعلّمة، وهم ليسوا بالضرورة محافظين اجتماعيا، كما هو حال أتباع التيار المهدوي المسيّس الحديث، الذين يستقطبون الشرائح التقليدية في المجتمع؛ أخيراً، إيديولوجية "الحُجّتية" جبرية، وتؤمن بأن الإمام سيظهر في آخر الزمان، في حين يعتقد المهدويّون الثوريون الجدد أن القيام بأعمال معيّنة سيعجّل عودته. الشكل الآخر من المهدوية في إيران هو المهدوية العلمانية التي تبحث عن بطل لإيجاد حلّ عجائبي لكل مشاكل إيران. إذ إن انتظار المخلّص، سواء كان وليّاً أو دنيويا، قد أصبح العنصر الرئيس في النزعة البطولية المهدوية. وهذا النوع من التطلّع المهدوي إلى مخلّص دنيوي يؤدّي إلى اللامبالاة السياسية إزاء الأحداث المثيرة للقلق الجارية على مسرح السياسة والمجتمع. ------------انتهى ------------------- --------------انتهى ----------------------