يمثّل موضوع «دروس التدارك» أو «الدروس الخصوصية» واحداً من أهمّ المواضيع التي تؤرّق الأسرة التونسية، لما يتطلبّه من مال مقابل ما يتلقّاه الأبناء من دروس إضافية خارج المدرسة، لتفادي النقص في الاستفادة الحاصلة داخل الفصل. ويرى كثير من الأولياء أنّ الدروس الخصوصية «شرّ لا بد منه»، ويعتقد كثير منهم أنها ضرورية في ظلّ نظام تعليمي «ثبُتَ فشله بشهادة أهل المجال أنفسهم». وفي كل الحالات يبدو أنّ ظاهرة الدروس الخصوصية أصبحت «مرضية» في تونس، فبين جشع بعض المدرسين ولهفة بعض العائلات على صنع تفوّق ولو زائفاً لأبنائها تبدوالمسألة حتميّة وضرورية. استغلال وابتزاز وسبق لوزارة التربية أن سعت الى تنظيم ظاهرة الدروس الخصوصية، من خلال أمر أصدرته عام 1988، ويتعلق بضبط شروط تنظيم دروس التدارك والدعم والدورس الخصوصية. تقول مها: «دروس التدارك فيها كثير من الابتزاز». وتضيف: «مرات كثيرة يكون التلميذ ممتازاً وليس في حاجة لأي نوع من الدروس الإضافية، ومع ذلك يصرّ الأستاذ على إعطائه دروساً ويسعى الى إقناعه بذلك، بعبارة أخرى فإنّ الأستاذ يستعمل التلميذ الممتاز كنوع من الإشهار لجلب بقية التلاميذ». وعن الأسباب التي جعلت هذه الظاهرة تتفاقم تقول مها: «يخاف الكثيرون على مصلحة أبنائهم، ويخشون أن تطاولهم «عصا» الأستاذ الذي يمكن أن يؤثر في معدل أبنائهم أو يعرقل نجاحهم». وتستدرك: «المسألة برمتّها تعود إلى وعي الأهل». وتقول زهور غاضبة: «ابني لا يأخذ دروساً في أي مادة، وهذه مسألة قناعة بالنسبة اليّ». وتضيف: «أنا مقتنعة تماماً أنّ ابني ليس في حاجة لدروس تدارك فهو متفوق، لكنّ ما يقلقني فعلاً جشع المدرسين الذين لا يفوتون فرصة لابتلاع الأموال من المواطن المثقل أصلاً بالأعباء الاقتصادية»، متساءلة عن سبب صمت الأولياء والحكومة عن عدد التجاوزات. في المقابل يقول أحد المعلّمين، رافضاً الكشف عن اسمه: «من حق المدرس أن يحسّن دخله من خلال دروس يسديها لبعض الطلاّب سواء في منزله أم في منازلهم»، ويوضح: «يأتيني أب أو أم ويلحّان عليّ، لأدرس أبناءهم، ويحدث الأمر نفسه مع عدد من زملائي». أسعار من نار أسعار الدروس مرتفعة جداً ومقلقة ولا يقوى عليها المواطن العادي، ففي المرحلة الأساسية، تصل كلفة الحصة الواحدة التي لا تتعدى ساعتين إلى 10 دنانير (حوالى 7 دولارات)، ضمن الدروس الخصوصية الجماعية وذلك من السنة الأولى إلى السادس أساسي. أمّا الدرس الفردي فتصل كلفة الساعتين فيه إلى 20 ديناراً. وفي بعض الأحياء الراقية سواء في العاصمة أم في مدينة سوسة في الساحل التونسي إلى 30 أو 40 ديناراً. ويقول رياض أن «الأسعار» في المرحلة الثانوية تختلف بحسب المستوى الدراسي الذي يتم تدريسه ووفق المواد أيضاً. ويوضح: «أدّرس مادة الرياضيات للسنوات النهائية، ويتراوح ثمن الحصة الواحدة بين 50 و100 دينار، وطبعاً ثمّة من يعطي دروساً بأسعار أقل وذلك حبسب سمعة الأستاذ وشهرته بين الطلاّب»، وهنا لا بد من التذكير أنّ الأستاذ عادة ما يدرس طلاّبه الذين يدرسهم في الفصل وهو ما يمنعه القانون أصلاً. ويرخّص قانون 1988 لرجل التعليم الابتدائي والثانوي مزاولة التدريس الخصوصي شبحسب الشروط التالية: «يمكن المدرس الواحد القيام بدروس خصوصية لفائدة مجموعات من التلاميذ لا يتجاوز عددها بأي حال من الأحوال الثلاث مجموعات، ولا يمكن أن يتجاوز عدد التلاميذ في المجموعة الواحدة الاربعة. ويجب أن تُلقى الدروس في قاعات معدّة للغرض وتتوافر فيها الشروط المناسبة (قواعد حفظ الصحة، الاتساع، التهوئة، ولا يمكن للمدرس بأي حال من الأحوال أن يقبل بالدروس الخصوصية التي يقوم بها تلاميذ الأقسام التي توكل له في المؤسسة التي يدرس بها، وعلى رجال التعليم الذين يعتزمون القيام بدروس خصوصية طلب ترخيص في الغرض من الإدارة الجهوية للتعليم التي يعودون إليها، خمسة عشر يوماً على الأقل قبل انطلاق الدروس». ولكنّ هذا القانون غير معمول به ولا يتمّ تطبيقه أصلاً وتبقى الأمور تحت رغبة المدرّس الذي يحكم ويتصرّف على هواه.