أستلهم هذا العنوان من أطروحة الصادق النيهوم، «إسلام ضدّ الإسلام». لكن، لعله كان يقصد أيضاً إسلام الإخوان المسلمين، ولعلي أريد الكلام في المقابل عن ديموقراطية الإخوان المسلمين. بدءاً، هناك تمثلات خاطئة يراد الترويج لها الآن: لكي تكون ديموقراطياً، عليك أن تقبل كل قرارات رئيس منتخب ديموقراطياً. وأن تكون على دين غالبية الناس وملّتهم وشريعتهم ومذهبهم. وأن ترى رأي «الرأي العام» ذاته. لسنا محتاجين للتذكير بأن هذا ضرب من الشعبوية التي لا تخدم الديموقراطية بقدر ما قد تمثل خطراً عليها، باسمها ومن داخلها. مقصود القول إن المزايدات الشعبوية التي يمارسها الإخوان المسلمون في مصر هذه الأيام باسم الغالبية الانتخابية والمشروعية الديموقراطية هي أيضاً فرصة للتذكير بأننا فعلاً أمام مشكلة نظرية تحتاج إلى وقفة تأمل: دعنا نعترف ابتداء بأن الديموقراطية في كل أحوالها تعاني نوعاً من الهشاشة الأصلية التي تجعلها عرضة لإمكانية الانقلاب عليها، باسمها ومن داخلها. فالديموقراطية التي تعني إرادة الشعب، ورأي الغالبية، وسلطة الرأي العام، قد تتحول في غفلة منا إلى ديكتاتورية باسم إرادة الشعب ورأي الغالبية وسلطة الرأي العام. هذا ما حدث في النصف الأول من القرن العشرين، عندما صعدت النازية باسم الغالبية الانتخابية والإرادة الشعبية. وهو الشبح نفسه الذي لا يكف عن تهديد كل الديموقراطيات. ولنتذكر أيضاً كيف استطاع اليمين المتطرف في فرنسا المرور إلى الدور الثاني من رئاسيات 2002، وأوشكت فرنسا أن تقع في المحظور لولا تحالف اليسار واليمين في آخر لحظة. هذه الهشاشة الأصلية للديموقراطية لا تقبل أي علاج. إنها مثل المرض المزمن الذي لا يمكننا إلاّ التعايش معه. لكن لأجل أن نتعايش معه من دون أن يهلكنا، فقد اهتدى الديموقراطيون خلال العقود الماضية إلى تدابير دقيقة، من بينها: 1- دسترة حقوق الأقليات، والحريات الفردية، وحرية الإعلام، والمساواة بين الجنسين، كما هي متعارف عليها دولياً ومن دون تحفظات. 2- منح سلطة تأويل الدستور لهيئة قضائية مختصة ولا ترتبط تنظيمياً بنتائج الانتخابات. 3- الحفاظ على مسافة زمنية معتبرة بين كل من الانتخابات التشريعية والرئاسية والجماعية، وذلك لغاية تفادي أي صدمة انتخابية قد تفضي إلى هيمنة سريعة ومفاجئة لأحد الأطراف على كل دواليب الدولة. 4- إجراء الانتخابات العامة في دورتين، من أجل إتاحة الفرصة لتحالفات قد تقلص من هيمنة الطرف الفائز في الدور الأول. 5- عدم السماح للحكام بأكثر من ولايتين متتاليتين. 6 -عدم اللجوء إلى الاستفتاء الشعبي إلا في الحالات القصوى، وعندما يحصل التوافق بين معظم النخب السياسية والثقافية حول آلية الاستفتاء. 7- دعم قوة وتنوع المجتمع المدني كسلطة مضادة. هكذا يتصرّف الوعي الديموقراطي. وغير هذا ليس سوى مزايدات شعبوية قد تقتل الديموقراطية باسم الديموقراطية نفسها. * كاتب مغربي