انطلقت يوم الجمعة 14 كانون الأول (ديسمبر) الجاري في النادي الثقافي «الطاهر الحداد» في قلب المدينة العتيقة لتونس العاصمة، الدورة الخامسة ل «مهرجان الخرافة» التي تتواصل إلى السبت المقبل. وهو مهرجان أراده القائمون عليه المساهمة في إحياء جانب من التراث الشفوي التونسي وهو الخرافة والحكاية الشعبية. والواقع أنه لا تزال للخرافة مكانتها في هذا العصر الذي بدأ ينعزل فيه الفرد عن المجتمع باكتساح وسائل الاتصال الحديثة حياته اليومية. فالخرافة التي تشكلت ملامحها وعناصرها عبر قرون عدة، وبما تحمله من حكمة إنسانية تراكمت عبر العصور، تعتبر من أهمّ العناصر التي تمرّر للطفل وللإنسان عموماً لما تحمله في طياتها من قيم ومبادئ تهيئ الفرد نفسياً واجتماعياً لدخول معترك الحياة. وجاء في تقديم المهرجان أنّ «الخرافة عبر شخصياتها وشخوصها تجيب الطفل بطريقة غير مباشرة عن حيرته وخوفه من المستقبل، تلج إلى باطنه النفسي وتيسر عليه عمليّة الإعلاء، فهي تحدّثه عن الموت والحب والكراهية وعن الغيرة والصراعات بين الإخوة، عن فترة المراهقة والمرحلة الانتقالية من الطفولة إلى عالم الكبار، عن الخير والشر والمعادلة الصعبة بينها. كلّ هذا تمرره الخرافة إلى الطفل بطريقتها الخاصة التي يستجيب لها الطفل، يستبطنها ثمّ يفكّك رموزها ويتمكن من القيام بعملية الإعلاء لمخاوفه وحيرته وتساؤلاته...». ويشكل «مهرجان الخرافة» فرصة لمسرحيين اهتموا بهذا الجانب ليلتقوا في حيّز زمني معيّن ويطلعوا على تجارب بعضهم بعضاً. وفي هذه الدورة تقام ورشة حول فن سرد الحكاية تشرف عليها الحكواتية الفلسطينية دنيز أسعد ويشارك فيها فنانون يبيّنون أن لسرد الخرافة أسلوبه الذي يختلف عن العمل المسرحي. كما تم التعاون خلال الدورة مع «نادي الحكاية» من مدينة صفاقس من خلال مشاركة رائدة مزيد وسوسن كانون وسنية بن عمر بخرافات تقدم في فضاء النادي، إضافة إلى مشاركة أسماء أخرى في ورشة فن سرد الحكاية. وبالتنسيق مع المندوبية الجهويّة للثقافة في تونس العاصمة، انفتح المهرجان على فضاء «مقهى الشواشية» وساحة «بئر الأحجار» حيث قدّم التونسي لعروسي الزبيدي عرضاً بعنوان «رحلة بوسعدية». ومن عروض التظاهرة: «الذكاء يحضر ويغيب» لمراد كروت، و «حكايات من العالم» لرائدة مزيد، و «حكايات شعبية من فلسطين» لدنيز أسعد، وهو عرض خاص بالأطفال. وتقدم التونسية سوسن كمّون حكاية «بربي أعطيني كرموستي»، بينما يحكي الشاذلي الورغي خرافة «جريجنة»، ويقدم الطيب الوسلاتي حكاية «طاووسلات». أما خرافة «تاج السلطان وحكايات أخرى» فهي من نصيب الحكواتية سنية بن عمر. وتتنوع الحكايات والخرافات التي يتوجه بعضها إلى الأطفال وبعضها الآخر إلى الكبار في مواضيعها وأهدافها وطرق أدائها. ونجد من بين العناوين «الحصان السحري» لمحمود عبد النبي و «رحلة ولد السلطان» لحاتم بوريال و «سيدي علي الريح» لإكرام عزوز. وشمل برنامج المهرجان معرض «القناع والحياة» للفنان العرائسي محيي الدين بن عبدالله، حيث يكتشف الزائر أقنعة لشخوص خرافية عرفناها من خلال خرافات أجدادنا أو قصص الأطفال المستوحاة من روح الخرافة الشعبية. وقدّم بن عبدالله الأقنعة التي صنعها في صياغة فنية تشكيلية تحملنا إلى عالم الخيال وكأننا نزور مدينة عجيبة غريبة تبرز فيها وجوه الحياة بكل تجلياتها.