تونس - أ ف ب - بلباسها التقليدي الفلسطيني وشالها المطرز بنقوش كنعانية ملونة، تسرد الحكواتية دونيز أسعد بلهجتها الحيفاوية حكايات شعبية من تراث بلدها أمام عدد كبير من التونسيين في زمن أوشكت فيه هذه المهنة الضاربة في القدم على الاندثار بسبب وسائل التسلية الحديثة. وتقول أسعد التي كانت سباقة في فن الحكاية في بلدها «إن ازدحام الناس لمتابعة حكاياتي يدلّ على تعطشهم لهذا الفن الذي يخرج من القلب ليصل إليهم في لحظات تجلّ وحميمية... بعيداً من وسائل الاتصال الحديثة التي اكتسحت الحياة اليومية». وتشدّد على أن «الحكاية أفضل وسيلة للتواصل بين مختلف الفئات وتقليص الفجوة بين الثقافات والأجيال وكذلك الأفراد على خلفية ما يعيشه العالم من تفكك وصراعات وخطر الذوبان» كما ترى فيها «تحفيزاً للمطالعة في العالم العربي الذي يشهد فيه الإقبال على الكتاب تراجعاً لافتاً». وشاركت اسعد الحاصلة على ماجستير في مجال تربية الأطفال، خلال الأيام الثلاثة الأخيرة في ورش لتدريب شبان تونسيين على فن الحكاية وأخرى حول «كيفية توظيف الحكايات الشعبية لتسهيل الحديث مع ذوي الحاجات الخاصة» في مدينة صفاقس (جنوب العاصمة تونس) وفي مهرجان الفداوي في سوسة الساحلية. وتحمل الحكواتية الفلسطينية قضيتها الأم وأوجاعها خلال جولاتها الفنية سواء في المدن الفلسطينية أم في الخارج لأنها ترى أن «الحكايات الشعبية موروث لامادي عالمي يجب توثيقه وكذلك شكل من أشكال الحفاظ على الهوية على خلفية الشرذمة التي يعيشها الشعب الفلسطيني والمحاولات المتكررة للمحتل الإسرائيلي لطمسها وتدونيز مقدساتها». وتمضي قائلة: «احمل مدني في قلبي الذي لا يمكن أن يخضع لرقابة ولا يستطيع احد في المطارات أن يدخل إليه لأروي تفاصيلها اليومية للصغير والكبير»، مدافعة عما اسمته «واجباً وحقاً وطنياً» لحماية موروثها الحضاري. وتعمل اسعد التي لها اكثر من 150 حكاية شعبية على دمج المستجدات الآنية على الساحة الفلسطينية لتمريرها للمتلقي من بينها الجدار الفاصل. كما لا تغفل اسعد حين تتوجه إلى كبار السن، المواضيع المسكوت عنها في بلادها وفي بقية العالم العربي لترويها لمستمعيها بدافع تحريك السواكن كالعنف الجسدي والتحرش الجنسي بالنساء والأطفال»، كما تقول الراوية وهي من أعضاء «الهيئة الاستشارية الإقليمية لمشروع حكايا» الذي تم إنشاؤه العام 2004 ومقره العاصمة الأردنية عمان. وإن استدعى المشهد، ترقص دونيز اسعد كما بطل الحكاية وتصرخ أو تستشيط غضباً إذا لزم الأمر وتستدل بأبيات شعر لشعراء أو فقرات من رواية لكاتب أو شهادة أو مقاطع موسيقية لمبدعين عرب، كما توظف في بعض الأحيان صوراً متحركة لشد انتباه الحاضرين، لا سيما الأطفال منهم. وتكشف اسعد أنها «بصدد التفكير في إدخال الرقص الصوفي بعد الشرقي ضمن مشروع الحكايات الصوفية التي هي جزء من ثقافتنا العربية» وذلك «لقطع الطريق أمام المد الأصولي الذي يخنقنا في حين أن علاقة الإنسان بالخالق بعيدة كل البعد من التوتر والعنف». والاستماع للحكواتي عادة قديمة. ويختار الراوي عادة روايات تتحدث عن المكارم لا سيما الشجاعة والكرم والوفاء والصدق، وكذلك المفاسد كالبخل والرياء والغدر والخيانة. ويقيم القصاص الشعبي روايته على مراحل وبأسلوب مشوق ليشد إليه المستمع، غير أن هذه المهنة أوشكت على الاندثار بسبب انتشار وسائل الاتصال الحديثة ما دفع بعدد من الفنانين إلى إطلاق مهرجانات في المنطقة العربية أسوة بما هو موجود في العالم. وقطعت الحكواتية الفلسطينية (52 سنة) شوطاً كبيراً في إحياء فن الحكواتي الذي ورثته وهي طفلة عن والدها قبل أن تخوض تجربتها الأولى في الحكي مع ابنها البكر الذي «اضطررت إلى سرد حكايات له وهو يرقد في المستشفى اثر تعرضه لظرف صحي قاس وذلك بطلب من الأطباء». وتوضح اسعد أن «كل إنسان حكواتي بالفطرة لكن هذا الفن يتطلب تقنية وموهبة وسعة بال وثقافة واسعة» كاشفة أنها ستصدر قريباً أقراصاً مدمجة حول تجربتها.