«يستمر فن الحَلْقَة، المرتكز أساساً على الحكي والسَّرد، على إيقاع انقراض متدرج...». بهذا التشاؤم يبدأ الفنان المسرحي التونسي لعروسي الزبيدي حديثه عن مسرح يحبّه كونه من نوع خاص. ويشير إلى أن عدد ممارسي هذا الفن يتقلّص في الساحات الشهيرة في العالم العربي، من قبيل ساحتي جامع الفنا في مراكش والهديم في مكناس، أو ساحة الحلفوين وباب منارة في تونس وغيرها، «وذلك بسبب اكتساح وجاذبية وسائل الفرجة الحديثة، ونتيجة لعدم اهتمام الجهات المعنية بهذا الفن العريق الذي يعتبر أحد أبرز الموروثات الثقافية الشفهية في العالم». وكان الزبيدي أعلن قبل أشهر اضطلاعه بالإعداد لمهرجان دولي للحلقة الشعبية، تحتضنه مدينة توزر في الجنوب الغربي للبلاد، حيث الواحات الرائعة والساحات الأثرية وعبق التاريخ. ويؤكد الزبيدي أن المهرجان الذي يعدُّ الأول من نوعه في تونس وينظّم بين 22 و28 من الشهر الجاري، سيكون فرصة حقيقية لإحياء هذا التراث الشعبي الفني وحمايته من الاندثار، مضيفاً أنه فرصة أيضاً لتطوير أداء المنشطين والممثلين الشباب الذين يُسَمُّونَ «الحلايقية»، فضلاً عن أن التظاهرة ستتيح للباحثين والموثقين معاينة هذا الفن من قرب، إلى جانب تنشيط الفضاء الثقافي. وعن الحلقة الشعبية، يقول الزبيدي: «تجمع الحلقة عديد الفنون والتعبيرات، كالأدب والتشكيل والموسيقى والخيال والرياضة والترفيه، كما تُعدُّ مسرحاً مباشراً وتلقائياً»، لافتاً إلى أن العديد من المسرحيين لجأوا إلى مسرح الحلقة (مسرح الهواء الطلق أو مسرح الشارع) مع منح فرصة المشاركة للمشاهدين. ويشرح أن «الحلقة» هي تقنية في الإلقاء والتعبير، كما في التنشيط والتواصل، وفنّ الأداء والإيقاع. هي الفن الذي يجمع المؤلف والمخرج والممثل، تقام عروضها في شكل دائرة (ومن هنا الاسم)، فيحيط المتفرجون بالممثلين، من كل الجهات، ما يعطي الانطباع بالحلقة المقفلة. ولمسرح الحلقة الدائري، شكل هندسي ليّن، قابل للتعديل، إذ تكبر الحلقة أو تصغر بحسب طبيعة ومضمون «الحلايقي» (وهو المعلم أو الصنايعي أو الحرفي كما يسمّى في العديد من البلدان العربية). يتضمّن برنامج المهرجان عروضاً للأطفال والكبار يقدمها «حكواتية» من تونس والعالم العربي. فضلاً عن ورش فنّ الحكاية للأطفال تديرها الفلسطينية دنيز أسعد، وورشة «فيلم وحكاية» يديرها إسماعيل الناظر وأماني ربيع من مصر، مع تعريف جمهور الورشة بماهية أفلام التحريك ودورها في تكوين ثقافة النشء، إلى جانب التدريب على مراحل صناعة فيلم التحريك مع تحويل حكايات معروفة إلى قصص مرسومة (story board)، والتدريب على تصميم الشخصيات وتنفيذها، ثم التصوير، وصولاًَ إلى المونتاج والميكساج. في برنامج المهرجان أيضاً محاضرات ونقاشات لعدد من المتخصصين، ومعارض كثيرة، منها معرض صور للحلقة الشعبية في العالم للفنان التونسي ناجي مراد، ومعرض الملابس والأقنعة بالتعاون مع المسرح الوطني، إضافة إلى عرض السيرك الفني للمسرح الوطني التونسي، وعرض مسرحي لتقنية خيال الظل ينظمه المركز الوطني لفن العرائس، وعرض فيلم إنتاج الورشة (سينما التحريك والحكايا). وذلك بمشاركة عدد من الدول العربية، هي الجزائر والمغرب وموريتانيا ومصر وليبيا وفلسطين ولبنان والأردن وسورية. يُذكر أنّ المهرجان من تنظيم جمعية «مسرح الخيمة»، بجهد شخصي لمؤسسه الفنان لعروسي الزبيدي الذي يصر على المضي نحو تحقيق هدفه، على رغم العراقيل والصعاب المالية التي يواجهها، مؤكداً أن الدورة الأولى للمهرجان ستقام في موعدها على رغم أنه لم يتلقّ أي دعم حتى الآن.