نَرْكُلُ الكُرَة في مَلْعب الضعيف دوماً، خصوصاً أن الاعتراف بالهزيمة والخطأ في عُرْفِنا ضرب من الجنون، وحال إستثناء نقف أمامها لِزَمَن طويل بنظرة من اللاوعي. أكْتُب عن الأيتام متأخراً، لأن قضايانا الاجتماعية تبدأ كبيرة ومغرية على التعرية وإسقاط الرؤوس والغربلة الشاملة من حارس المَبْنَى لصاحب الكرسي المبهج الدوار، لكن هذا الإغْرَاء يتضَاءل بالتدريج، وننسى القصَصَ عَقِبَ بضعة أيام من ولادتها، ونُسْكِتَ الأفواه التي تُحركها بالبوح والشكوى والتفتيش بمِا أمْكَن من الوسائل والطرق. لا أتحدث عن «أيتام جازان» لوحْدَهُم، فهم مِثَالٌ خاطِف كان له قَدَر وحظ الظهور على السطح، بعد مشوار طويل من مسلسلات التَغْييب وتَراكُم الأخْطَاء والصَبْرِ على الفتات من العيش والأحْلام. عَيْبُ مؤسستنا الاجتماعية أنها لا ترى كثيراً ما يحْدُث على الواقع، وإن تنازلت بالوجود يوماً ما كان وجودها مرتباً، ومجدولاً منذ أسابيع فتكون مبانيها وفروعها ودورها الاجتماعية غاية في الأناقة، وأيتامنا الموجوعون ملائكة بالقوة. نَحْتاج من وزارة الشؤون الاجتماعية أن تَخْتَار لقيادة مؤسساتها الصغرى المنتشرة في مدننا رجالاً تأكلهم دمعة اليتيم، وتوجعهم حسرته، وضيق صدره الدائم، رجالاً يحفظون كاسمهم ويستوعبون تماماً (فأما اليَتِيْم فلا تَقْهر)، لا نريد مسؤولين يؤدون دور حارس مرمى، أو مهام حارس العمارة، ولن نَحترم مَسْؤولاً يَتَهَرَبُ أو لا يَعْرف الا إجَابات النفي والتنصل من المسؤولية، وأقسم لكم أنها تَقْتُلنُا محاضر الثرثرة ولجان بيع الكلام، والوعود المنتهية بِجُمْلة الثَلْج «نَعِدُكُم بإنْهَاء الأمُور». هذه الدور والمراكز الاجتماعية التي تُعْنى وتهتم بمن قست عليه الحياة، ووضعته تحت رحمة آخرين، وبين محتويات رديئة لجدران أربعة، ينقصها معدل عالٍ من الرحمة، وكمية كبيرة من الصبر، وبشرٌ مؤهلون للتعامل والاقتراب بالروح قبل الجسد، تنقصها الإنْسَانية الحقة والمواطَنَة المُشْتَعِلَة. إذا نُزِعَت الإنسانية من الذين حُمِلوا أمانة رعاية اليتامى والمَقْهورين فأي إنسانية سنفتش عنها لاحقاً! وإن لم تكن هذه المقار الاجتماعية مكاناً خصباً للاحتواء واستثمار الطاقات والأنشطة ومسح الانكسار من وجوه اليتامى، وإدخال الإبتِسامة المفقودة إلى شفاه لم تألفها، فما الفائدة من الإصرار على النجاحات وإدعاء المثالية والتَبَاهي بأرقام تنتهي ب«بالقهر والحرمان»؟ أحْلَم بتغيير سريع وعاجل لمديري دور الرعاية ومراكز المعوقين والأيتام حتى نحيي الحَماسة التي تموت سَرِيْعاً، والتبلد الذي قد يصاب به بعضهم جراء تنوع الحالات والتحدي الذي يتطلبه التعايش معهم، مَنْ ليس مستعداً للتحدي فليغادر ويأتي غيره، البلد ممتلئ بالشباب والكوادر المتحمسة. الجروح الاجتماعية التي تحتويها وزارة الشؤون الاجتماعية هي في الذمة وتحتاج إلى ضمير نقي، أما أن نغلق الملفات بتوزيع الاتهامات، وتكذيب الفشل، والتقصير، والأخطاء الرهيبة، فذاك مؤشر محبط ومخيف لمجتمع طيب بالفطرة، ويؤسف أن تتسمر أمام هذا المؤشر وزارة الشؤون الاجتماعية لأختم بنقطة حبْلَى على السطر. [email protected] @alialqassmi