يقف المجتمع السعودي مع هيئة الفساد وقفة المتفائل، على رغم أنه مضى أكثر من «نصف العام» على بناء الطوبة الأولى للهيئة برفقة يوم تاريخي فاخر لا يُنسَى، هذه الوقفة مبنية على أن الهيئة تواجدت في التوقيت الحاسم من أجل مستقبل لا يقبل نصفاً فاسداً، ولا حتى نَفَسَاً متلاعباً، جاءت بوادر التفاؤل كون المرحلة المقبلة مرحلة منجزات وتنمية متواصلة واستثمار حقيقي لمدخرات ومصروفات وطن، وكذلك قدمت أنفاس الفرح لأن المكان لم يعد يحتمل أن نقف على أوجاع جديدة وجروح مكررة في ظل أنه بات صريحاً وجلياً أن من يقف خلف الوجع والجرح متهماً واحداً ثبت بالعقل والمنطق والعين المجردة ضلوعه المباشر والفردي وان كان له ممثلون كثر. مضى زمن طويل ونحن نداعب المتهم، وندور من حوله وخلفه من دون أن نقبض عليه أو نمسك على الخيط الذي يصل بنا في المنتهى إليه، فهو حي لا يموت إلا إذا كانت يد السياف تلاحقه من دون خوف أو وجل، ومقصلة العقاب لا تجامل أو تضحي بالصغير فيه من دون الكبير أو تتنازل عنه نزولاً عند توبة وقتية يجيدها الفاسد إذا ضرب أحد على كتفه أو تقصى آخر عن الحقيقة الفاضحة الكاشفة لحساب بنكي يزيد ولا ينقص، كنا ندور ونداعب لا خوفاً من المتهم لكن ظناً منا أن الممثل سيصحو أو يخاف أو يتراجع، ولكن ظلت جل توقعاتنا أحلاماً وردية يقابلها ضمير الذي وحده يموت في مشهد الفساد. تربع المتهم/ الفساد على الجغرافيا والجسد وكان لزاماً أن يقف له جهاز مستقل ويتفرغ له مسؤولون من دون شرود ذهني بمهمات أخرى، وجاءت هيئة مكافحة الفساد في تسميتها الجادة واللافتة، لتكون بالضبط مشروعاً حكومياً ننتظر منه مخرجات من الوزن الثقيل وفي وقت قريب، وان كان مشوار ومشروع المكافحة لن يكون مفروشاً بالورد، إنما ستعترضه الحواجز والعقبات والمفاجآت، وكثير من التحديات التي ستزاح جانباً متى ما أدرك القائمون المباشرون على المشروع أن المهمة صعبة وليست مستحيلة، إنما بحاجة ماسة لمحاضر ضبط وكشف مبكرة حتى وان كانت صغيرة، لكنني متأكد من أنه بحضور أوراق الفساد الصغيرة سيذهب رجالات المشروع إلى الأوراق الكبيرة في وقت وجيز. سأقفز عن هيئة مكافحة الفساد واتركها تتجاوز ربعها الأول من النمو والإعداد والترتيب، وأقسم لها أن مجتمعي الذي تدور على شفاهه مرارة الفساد بين حديث وحديث يحلم بها كثيراً، ويحسن الظن في خطواتها، حتى وان كانت هادئة وبطيئة، لكنه البطء الذي يمهد للانتصار، والهدوء السابق لبتر أشواك وأشجار سامة، كانت تقف في الطريق، ولم يعد هناك من علاج على طول الصبر إلا أن تزال بالكلية. ستمضي الهيئة في الطريق عرجاء إن توقفت عند تسميتها وركزت لتبني أجندتها وجدولها الزمني وخريطة عملها استناداً عليها، لأن النصف الآخر من خريطة العمل تم نسيانه واستثناؤه من المسمى على أنني أرى أنه كان من الأجدر أن يتصدر المسمى ولو من باب تغليب الموجب على السالب وإضاءة الطريق لا تكثيف الدفاع من أجل هجوم محتمل. أعتقد أن الهيئة لن تنطلق إلى مستقبل مبهج في مسيرتها إذا لم تضع في الاعتبار أن تتبنى حماية النزاهة بالمقام الأول قبل أن تشرع في مكافحة الفساد؛ وذلك لأن النزيه لن يقدم على كشف المستور ودعم الجهاز ومشروعه المحلي الأهم والوحيد، إذا لم يعرف ويؤمن ويتأكد تماماً أنه محمي ومشكور ومكافأ على أي شمعة يأتي بها من أجل أن تكشف عن وكر فساد وتسمح لنا عن قرب من رؤية جسد فاسد. [email protected] twitter | @ALIALQASSMI