هو ضابط سعودي، التقى بقَدَرِه في حادثة مرورية مروعة قبل ثمانية أعوام، خرج منها في ما تبقى من العمر بشلل رباعي أقعده جسدياً، ولكنه عَجِزَ عن إقعاده فكرياً وروحياً ونفسياً، انضم لذوي الاحتياجات الخاصة، لتأخذ منه الإعاقة كل شيء - بمستوى نظرنا المحدود وتعاطفنا اليتيم - ولم يبق له إلا الصبر والطموح وأمل لا يشابهه «أمل»، وحياة لا تعترف باليأس وهي في المجموع سر التميز والاختلاف والتفوق، وفينا من هو في كامل لياقته واكتمال جسده لديه كل شيء إلا الأربع التي تبقت للسعودي المبدع، اسمه الثنائي «سلمان الدعجاني» وهذا حد جهدي في الحصول على اسمه حين التقطته مع صورته البهية في برنامج أسبوعي لقناة فضائية تنتقي المبدعين المغمورين والمبهجين المختلفين وتمنحهم جزءاً من وقتها وإطلالة عبر روزنامة برامجها. قصته أنه ذهب إلى دولة التشيخ لمتابعة علاجه في بلد رائد متطور في نوعية العلاج فعاد بالعزيمة والإصرار لأرضه ووطنه وأهله وناسه ناقلاً الفكرة والمضمون، متحمساً للتطبيق، ليس من أجل ذاته بل من أجل مشاركيه في الوجع والأمل من الحالمين البسطاء الذين التقى معهم القدر بالإعاقة نفسها وعجزوا عن العلاج أو الجزء الأساسي منه المُرْضِي بأقل حال، والمُغْلِق لحالات نَدَم لعدم طَرْق الباب. عاد «سلمان» مديراً ورئيساً تنفيذياً لمركزه الجديد الذي سماه «المركز التشيخي للعلاج الطبيعي» بمدينة الرياض، ومعه أحضر آمالاً وتطلعات وقربها لشركائه وقدمها لهم. الخبر قد يكون جديداً على المستوى المحلي لفئة كبيرة من المتقاطعين مع التفاصيل وبالتأكيد مجرد المتعاطفين، وربما كان معلوماً لفئة مقابلة إنما على مستوى خبر مختصر في زاوية صحيفة أو عبر مرور الكرام في برنامج تلفزيوني. عشقت في «سلمان» روح التحدي والإصرار وحب الخير للغير، تعلمت منه كيف أن سيول الطموح تزيل ما يقف في طريقها من حجارة وأتربة، عرفت معه كيف صنع من الإعاقة بروح صلبة «قيمة شاب سعودي مختلف»، وأدركت بمشاهدته أن الإنسان الحقيقي يكمن في الداخل حين يكون هناك «لا معنى لليأس» ولا «حضور للتثاؤب»، وتسارع ملموس لخطى التفاؤل، وتناوب مغرٍ للأفكار الجريئة، وخجلت لماذا مر علينا سريعاً دون أن تلتقي به صفحة كاملة في حوار مثير مثرٍ ونتعلم درساً في المثابرة، وحصة في الصبر، ولكي يعرفه الجيل الذي يحبط للأسف «عَنْ بُعْد»، خجلت لأن التلفاز لم يُحْضِر صورته ومركزه ومشروعه بالشكل الأمثل الذي يغني عن مرور مقالة ويجيب عن أي تساؤل. أثنى التشيخيون الذين حضروا حفلة افتتاح المركز واعتبروا «سلمان» أنموذجاً وقدوة، وسعودياً رائعاً. المركز «مشروعه الجاهز» تم تمويله بمبلغ يتجاوز أربعة ملايين ريال، وهو الأول من نوعه في تقديم هذه الخدمة العلاجية لذوي الاحتياجات الخاصة، وبكتابة للاسم في محرك البحث الالكتروني تتضح الصورة بالكامل وعرض متكامل باهر. حق علينا أن نقف معه بالمال والصوت، فشكراً لسلمان، هأنتذا أضفت - دون أن تدري - لنا الكثير وأيقظت فينا الأكثر، يكفيك أنك قهرت الإعاقة وسجلت اسمك مضيئاً في سماء الطموح والتحدي. [email protected]