آلمه قلبه كثيراً على حال مصر في الأعوام الأخيرة، فأصر «غواص بحر النغم « عمار الشريعي وهو متعب على أن ينزل إلى ميدان التحرير أثناء «ثورة 25 يناير» 2010، وكان أحد أعمدة الثورة المصرية. وفي جمعة «الرحيل» في 11 شباط (فبراير) ازداد تعبه قبل أن يجني ثمار الثورة الطيبة، ونقل إلى أحد المستشفيات. وفي أثناء تعافيه، أصيب بنوبة قلبية جديدة أثرت على وظائف الكليتين لديه، فأدخل إلى غرفة العناية المركزة في مستشفى الصفا في ضاحية المهندسين، في انتظار تسفيره إلى الولاياتالمتحدة لاستكمال العلاج. ولكنه ملّ الانتظار وأبى أن يموت خارج الوطن، فتوفي ظهر أمس عن 64 سنة، تاركاً إرثاً فنياً غنياً. لا يختلف أحد على موهبة الشريعي الموسيقية التي امتدت من العزف إلى التأليف الموسيقي الذي ترجمه في عشرات التحف الفنية سواء عبر مسلسلات تلفزيونية أو أفلام سينمائية أو مسرحيات، والتحليل الموسيقي من خلال برنامجه الأشهر «غواص في بحر النغم» وبرنامج «سهرة شريعي»، إضافة إلى قدرته على إيصال المعلومة وثقافته الواسعة في شتى المجالات. ويؤكد محترفو الموسيقى أنه يمثل ظاهرة فنية فريدة، مؤكدين أن موهبته لم تقتصر على عزفه على آلة العود، بل امتدت الى معرفته بكل الآلات الموسيقية، إضافة إلى خبرته التكنولوجية - الموسيقية. وصفه الموسيقي حلمي بكر ب «طه حسين الموسيقى» كونه يرى ويسمع بأذنيه في آن واحد أفضل من المبصر. كما قال عنه رفيق مشواره الشاعر عبدالرحمن الأبنودي: «رؤساء الفرق الموسيقية كانوا يخجلون من موهبة الشريعي، عندما كان يعزف في الفِرق أثناء شبابه، فقد ظهرت موهبته في سن مبكرة». أما الموسيقي هاني مهنى فوصفه بال «القامة الفنية والثورية»، معتبراً أنه «صاحب رؤية وفكر كونه يرى ما لا يراه المبصر سواء في مجال الموسيقى أو في مجالات أخرى». ألّف الشريعي الموسيقى التصويرية للعديد من الأفلام السينمائية الناجحة ومنها «الشك يا حبيبي»، و«البريء»، و«البداية»، و«حب في الزنزانة»، و«أرجوك أعطني هذا الدواء»، و«أيام في الحلال»، و«آه يا بلد»، و«كتيبة الإعدام»، و»يوم الكرامة» و«حليم». كما ألّف روائع أغاني المسلسلات التلفزيونية ومنها «الأيام»، و«بابا عبده»، و«أديب»، و«وقال البحر»، و«دموع في عيون وقحة»، و«رأفت الهجان»، و«عصفور النار»، و«أرابيسك»، و«العائلة»، و«الراية البيضا»، و«الشهد والدموع»، و«زيزينيا»، و«الأمير المجهول»، و«امرأة من زمن الحب»، و«أم كلثوم»، و«حديث الصباح والمساء»، و«نصف ربيع الآخر»، و«حدائق الشيطان»، و«البر الغربي»، و«شيخ العرب همام»، و«الرحايا»، و«ابن ليل». كما كتب نوتات موسيقية للعديد من المسرحيات الناجحة ومنها «رابعة العدوية» و«الواد سيد الشغال»، و«علشان خاطر عيونك»، و«إنها حقاً عائلة محترمة»، و«تصبح على خير يا حبة عيني»، و«الحب في التخشيبة» و«لولي»، و«يمامة بيضا». ألف كونشرتو لآلة العود والأوركسترا ومتتالية على ألحان عربية معروفة وعزفهما مع أوركسترا عُمان السيمفونية في العام 2005. وشارك بالتعاون مع شركة «ياماها» اليابانية في استنباط ثلاثة أرباع الصوت من الآلات الإلكترونية، وابتكر العديد من الإيقاعات والضروب الجديدة، كما أعاد توزيع العديد من المقطوعات الموسيقية والأغنيات. وساهم مع مؤسسة «Dancing Dots» الأميركية في إنتاج برنامج «Good Feel» الذي أصدر نوتات موسيقية للمكفوفين على طريقة «برايل». حصد العديد من الجوائز والأوسمة التكريمية من مهرجانات فالنسيا وفيفييه والمركز الكاثوليكي، ومهرجان الإذاعة والتلفزيون في القاهرة، وجائزة الدولة للتفوق في الفنون من المجلس الأعلى للثقافة (عام 2005). الشريعي في سطور ولد عمّار الشريعي في 16 نيسان (أبريل) 1948 في مدينة سمالوط بمحافظة المنيا في صعيد مصر. درس في مدرسة المركز النموذجي لرعاية وتوجيه المكفوفين، وحصل على إجازة في اللغة الإنكليزية من كلية آداب عين شمس عام 1970، ثم درس التأليف الموسيقي في مدرسة «هادلي سكول» الأميركية لتعليم المكفوفين بالمراسلة، وبعدها التحق بالأكاديمية الملكية البريطانية للموسيقى. بدأ حياته الموسيقية عازفاً لآلة الأكورديون في عدد من الفرق الموسيقية التي كانت منتشرة في مصر آنذاك، ثم تحول إلى الأورغ حيث سطع نجمه فيه كأحد أبرع عازفي جيله. واعتبر نموذجاً جديداً في تحدي الإعاقة نظراً إلى صعوبة هذه الآلة وتعقيدها واعتمادها بدرجة كبيرة على الإبصار. وأسّس في عام 1980 فرقة «الأصدقاء» التي ضمت منى عبدالغني وحنان وعلاء عبدالخالق، وحاول من خلالها مزج الأصالة بالمعاصرة وأداء غناء جماعي تصدى لمشاكل المجتمع في تلك الفترة. اهتم بأغاني الأطفال التي شارك فيها مجموعة من كبار الممثلين والمطربين مثل عبدالمنعم مدبولي ونيللي وصفاء أبو السعود ولبلبة وعفاف راضي. وكان وراء اكتشاف الكثير من المواهب، منها منى عبدالغني وحنان وعلاء عبدالخالق وهدى عمار وحسن فؤاد وريهام عبدالحكيم ومي فاروق وأجفان الأمير وآمال ماهر وأحمد علي الحجار.