تزايد الشقاق بين الإسلاميين الحاكمين في السودان، وحمل رئيس الكتلة البرلمانية لحزب المؤتمر الوطني الحاكم غازي صلاح الدين الذي كان مرشحاً لزعامة الحركة الإسلامية، على رفاقه وانتقد رئاسة الرئيس عمر البشير الجهاز القيادي في الحركة ووصفه بأنه مخالف للدستور. لكن مسؤولاً في التنظيم الإسلامي اعتبر موقف صلاح الدين «ظلماً لإخوته»، فيما هدد حزب الأمة المعارض باستعراض قوة رداً على اتهام رئيسه الصادق المهدي بالتورط في محاولة انقلابية لإطاحة حكم البشير. وانتقد صلاح الدين في تعميم صحافي تشكيل قيادة عليا للحركة الإسلامية في مؤتمرها الأخير ضمّت رئيس الجمهورية ونوابه ورئيس البرلمان، موضحاً أن هؤلاء دخلوا إلى جسم الحركة من دون انتخاب من مؤسساتها. واعتبر أن وجود الرئيس البشير كرئيس للحركة الإسلامية «وهي غير مسجلة قانونياً حتى الآن» يثير أسئلة قانونية وأخلاقية شائكة. ورأى أن الأمين العام المنتخب للحركة الإسلامية الزبير أحمد الحسن لن يستطيع في ظل وجود القيادة العليا من هؤلاء المسؤولين التنفيذيين «وهم ثلّة يفوقونه قوة ونفوذاً»، أن يتبنى أي مبادرة من دون إذن منهم، الأمر الذي يقيّد من سلطاته، مشيراً إلى أن 80 في المئة من أعضاء حزب المؤتمر الوطني الحاكم ليسوا أعضاء في الحركة الاسلامية «وربما لا يرغبون أن يكونوا كذلك». ودعا إلى التحقيق في ما رافق المؤتمر الأخير للحركة وتدخل «نافذين في السلطة» لمصلحة مرشح على حساب آخر. بيد أن مسؤول التنظيم في الحزب الحاكم حامد صديق قال إن صلاح الدين كان عضواً في هيئة الشورى التي أجازت مواد دستور الحركة الإسلامية بالاجماع، ومن ثم أحيلت على المؤتمر العام وأجازها. وقال إن الشورى تقتضي أن كل ما تتوافق عليه الجماعة يلتزم به الجميع. ورفض تشكيك صلاح الدين في استقلال قيادة الحركة الإسلامية، واعتبر ما أثاره ظلماً لعضويتها، وقال إن 70 في المئة منهم تلقوا تعليماً فوق الجامعي، ما يؤهلهم لاتخاذ القرارات السليمة والصائبة. وقلل صديق من الحديث حول تذويب الحركة الإسلامية في الحزب الحاكم، وقال إن هناك من كان ينادي بأن يكون الأمين العام متفرغاً مستقلاً، والأمين الحالي كذلك، وكل ما ينادون به موجود في الأمين الحالي، مؤكداً أن الزبير أحمد الحسن متفرغ ولا يشغل منصباً تنفيذياً أو وزارياً. ورأى أن وجوده في الأمانة الاقتصادية للحزب الحاكم أمر يخص الحزب، وإذا رأى الحزب أن يغيّره من الأمانة فهذا شأنه والحركة الإسلامية لا تفرض رأيها على أي مؤسسة أخرى. وكانت مجموعة من الإسلاميين الذين نادوا بإصلاح النظام عبر محاربة الفساد وتوحيد الإسلاميين السودانيين وتغيير الوجوه الحاكمة، ساندوا ترشح غازي صلاح الدين لتولي منصب الأمين العام للحركة الإسلامية. إلى ذلك، طرح مساعد الرئيس السوداني نافع علي نافع رواية جديدة عن المحاولة الانقلابية لإطاحة حكم عمر البشير والتي أعلنت السلطات إحباطها أخيراً واعتقال مجموعة من كبار الضباط الإسلاميين أبرزهم مدير الأمن والاستخبارات السابق الفريق صلاح عبدالله «قوش»، إذ اتهم نافع أحزاب المعارضة بتدبير المحاولة بمساعدة عدد من الإسلاميين ممن لديهم «أطماع شخصية». وحمل نافع في لقاء جماهيري في منطقة الكريدة في ولاية النيل الأبيض في وسط البلاد، على قوى المعارضة، وقال إنها لا تملك رؤية لحكم البلاد ولا تتفق إلا في شيء واحد هو إزالة النظام الحالي. وأضاف إنها «تتلقى الأوامر من الغرب والعلمانيين وتناصر الحركات المسلحة لإسقاط النظام»، وقال إن المؤامرات التي تحاك ضد السودان لن تزيده إلا قوة ومنعة. وهذه المرة الأولى التي توجه فيها التهمة علناً للمعارضة بتدبير المحاولة الانقلابية التي يقف وراءها عدد من كبار من الضباط الاسلاميين. وكان وزير الإعلام أحمد بلال قال فى تصريحات صحافية إن التحقيقات في المحاولة المحبطة قادت إلى اتصال المتهمين مع متمردي «حركة العدل والمساواة»، مؤكداً ضلوع حزب معارض في المحاولة لكنه امتنع عن تسميته، واكتفى بتأكيد القبض على اثنين من عناصر المعارضة ضمن المجموعة الموقوفة. ونفى حزب المؤتمر الشعبي بزعامة حسن الترابي صلته بالموقوفين. وسرّبت جهات رسمية تقارير أمس عن تنسيق الصادق المهدي مع المتهمين بالمحاولة الانقلابية، وقالت إن صلاح «قوش» أبلغ المهدي بالمحاولة مما دفع الأخير إلى السفر إلى لندن حتى يكون غطاء خارجياً في حال نجاح الانقلاب، ودعمها عبر اتصالات مع دول كبرى والتنسيق مع تحالف متمردي «الجبهة الثورية السودانية». وذكرت أن «قوش» دفع للمحاولة نحو 400 ألف جنيه سوداني (70 ألف دولار). لكن كيان الأنصار الذي يستند عليه حزب الأمة برئاسة المهدي، اتهم تياراً داخلياً بالاستمرار في استهداف كيان الأنصار وقيادته، وتسليط أجهزته الأمنية والإعلامية لترويج الأخبار «المضللة» عنه، وتسخير موارد الدولة المالية للقضاء عليه. ورأى كيان الأنصار في بيان أمس، أن المعلومات سرّبَتها جهات «لديها مصلحة في تسميم الأجواء» و «جَرِّ بلادنا لمعارك داخلية تنفيذاً لأجندة مضرة بالوطن وبشعبه»، مشيراً إلى تصريحات بدأت منذ سفر المهدي إلى بريطانيا من مسؤولين في الدولة تُمَهِّد لهذا الاتهام «قبل الإعلان عن كشف المحاولة المزعومة». وحذّر البيان من المساس بالمهدي، معتبراً نشر المعلومات التي تتهم المهدي مقدمة لخطوة مقبلة. ودعت هيئة شؤون الأنصار إلى الاستعداد للدفاع عن قيادتهم وكيانهم، وأعلنت أن صلاة الجمعة المقبلة ستكون حاشدة. الجنوب إلى ذلك، أعلن كبير مفاوضي جنوب السودان، باقان أموم، أن بلاده ستستأنف تصدير النفط عبر الأراضي السودانية نهاية الشهر الجاري، بعدما اتفق مع المسؤولين في الخرطوم على تنفيذ اتفاق التعاون وتذليل كل العقبات التي اعترضته، وتوقّع حصول السودان على أكثر من 100 مليون دولار شهرياً من عمليات تصدير النفط. وقال في مؤتمر صحافي في ختام زيارته، إن اجتماعاته في الخرطوم تمخضت عنها نتائج إيجابية تدعو إلى التفاؤل بشدة، وإن الانفراج في العلاقات بين البلدين بات وشيكاً. وجدد اموم استعداد بلاده لدعم الحوار بين الحكومة السودانية ومتمردي «الحركة الشعبية-الشمال» لإنهاء النزاع المسلح في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، مضيفاً أن جوبا يمكن أن تستخدم علاقاتها التاريخية مع المتمردين والدفع بعملية سلام دائم. ووصف طلب الخرطوم تدخل جوبا لنزع سلاح المقاتلين ب «المستحيل»، لجهة أنه يعني التدخل في شؤون دولة أخرى، بجانب أن قدرات بلاده لا تسمح بإجراء العملية. وتابع: «نحن في دولة وليدة تعتمد على النفط ولا يمكن أن نلعب بالنار». وأضاف: «لدينا قناعات قوية لمساعدة السودانيين على إنهاء النزاع المسلح». وطالب اموم الخرطوم بالتعامل بالمثل ومساعدة جوبا على الحوار مع المجموعات المتمردة التي تقاتلها كي ينعم جنوب السودان بالسلام.