طرأت تغيرات كثيرة أخيراً على مسرح «أوديون» الباريسي الوطني الذي يعدّ الثاني من حيث الأهمية بعد «لا كوميدي فرانسيز»، وأبرزها تعيين المخرج السويسري لوك بوندي مديراً له، وبالتالي إطاحة المدير السابق أوليفييه بي الذي أنهى فترة الأربع سنوات الرسمية التي تحق لأي مدير مسرح وطني فرنسي. لكن هذه الفترة مُدّدت إلى ثماني سنوات، بينما لم يتمتع «بي» بهذه الميزة وقرر وزير الثقافة السابق فريديريك ميتران في عهد نيكولا ساركوزي، نقل إدارة المسرح إلى لوك بوندي من دون تبرير، ما أثار جدلاً العام الماضي. تسلم بوندي مهمته الجديدة في صيف 2012، متقاضياً راتباً مقداره 200 ألف يورو سنوياً أي أكثر من راتب زميله الذي سبقه بكثير، وأكثر من راتب مدير مسرح «لا كوميدي فرانسيز» أيضاً. وذلك إضافة إلى بدل سكن مدفوع في باريس، بعدما كان الرجل يقيم أساساً في سويسرا. وأثارت حكاية الأجر هذه المزيد من الجدل والإحتجاجات، خصوصاً أن المسارح الوطنية تتصف بالشعبية ولا تمنح موظفيها الأجور نفسها التي يمنحها القطاع الخاص. وكأن كل هذا لا يكفي، إذ افتتح بوندي أول موسم فني له على رأس مسرح «أوديون» بعمل عنوانه «العودة» للمؤلف البريطاني الكبير الراحل هارولد بينتر، مانحاً بطولته إلى النجم السينمائي السويسري برونو غانز (71 سنة) لقاء أجر شهري يبلغ 25 ألف يورو، أي خمسة أضعاف ما يتقاضاه سائر أفراد الفرقة المحيطة به، وعلى رأسهم النجمة إيمانويل سينييه قرينة السينمائي رومان بولانسكي، ولوي غاريل وميشا ليسكو وجيروم كيرشر والممثل المسرحي الفرنسي المرموق باسكال غريغوري، وكلهم خاضعون للأجور المعتمدة في إطار المسارح الوطنية. وكلما سئل بوندي عن هذه القضية، كان يرد أن «برونو غانز رفض العمل في فيلمين سينمائيين دوليين ليتفرغ للمسرحية في باريس، ولا يمكن بالتالي ألا يعوض ولو جزئياً عن الخسارة المادية اللاحقة به إثر هذا القرار». ويشرح أن «وجود إسم غانز على ملصق المسرحية، سمح بتمويل إضافي من منتجين أجانب، كما سمح بتوقيع عقود عرض المسرحية على خشبات دول عدّة، بينها كندا وأستراليا والولايات المتحدة الأميركية». ويبدو أن المبررات التي وضعها بوندي في المقدمة لتفسير قراره تعيين فنان أجنبي لبطولة مسرحية فرنسية لقاء أجر «خيالي» لا يتقاضاه أي ممثل فرنسي حتى في حلمه على الأقل في المسارح الوطنية، لم تبدُ مقنعة لأهل المهنة الباريسية. فقررت نقابات الممثلين والتقنيين كتابة عريضة مشتركة، لرفعها إلى وزيرة الثقافة أوريلي فيليبيتي حول وضع مسرح «أوديون» وضرورة إعادة النظر في الموازنة الممنوحة إلى مديره وتلك المتعلقة بإنتاج المسرحيات. وأما مسرحية «العودة» لهارولد بينتر التي تولى إخراجها لوك بوندي بنفسه دامجاً بين مهنتي إدارة المسرح والإخراج، فهي تروي حكاية رجل يعود من أميركا إلى أرض الوطن (انكلترا) ليسكن في بيت العائلة مع والده وشقيقيه، بعدما توفيت الأم إثر إصابتها بمرض خبيث. وبعدما تزوّج وصار أباً لثلاثة أطفال في بلاد العمّ سام، يأتي بصحبة زوجته لتمضية أيام قليلة مع أهله وليعرفهم إلى شريكة حياته وأم أولاده. لكن الأمور تتعقّد إلى درجة أن الرجل يعود وحده إلى صغاره في أميركا تاركاً الزوجة بين أيدي الأب والأخوين الذين عرفوا كيف يجذبونها إليهم ويقنعونها بالبقاء معهم. المسرحية جريئة إلى حد كبير في مواقفها وفي نصها، وإذا كان بوندي نجح في شيء، فهو توزيع الأدوار على ممثلين من الدرجة الأولى وعلى رأسهم برونو غانز، مهما كان أجره عالياً.