لا يعرف كثيرون في العالم العربي الكاتب الصيني مو يان الفائز بجائزة نوبل في الأدب لهذا العام، لسبب أساسي وهو أنه لم يُترجم له أي عمل من أعماله الأدبية إلى اللغة العربية، وربما هذا ما دفعني أولاً إلى ترجمة روايته «الذرة الرفيعة الحمراء» لتصدر قريباً عن المركز القومي للترجمة في القاهرة، علماً أنني كنت انتهيت من ترجمتها في العام 2009، وثانياً إلى إجراء هذا الحوار معه في مسقط رأسه في شاندونغ، ليكون أول حوار تجريه معه صحيفة عربية. بدايةً، كيف استقبلت نبأ فوزك بجائزة «نوبل» للآداب لهذا العام؟ - شعرت بالدهشة، فمع أن اسمي كان من بين الأسماء المرشحة خلال السنوات الأخيرة للفوز بهذه الجائزة الرفيعة، إلاّ أنني كنت أشعر في قرارة نفسي بأنني ما زلت في سن مبكرة لأن أحصل عليها، لكونها تُمنح عادة للأدباء الذين يتقدّمون في العمر، بمعنى الذين تصل أعمارهم إلى السبعين والثمانين عاماً. لكنّ الجائزة كانت من نصيبي وهذا ما أعتبره شرفاً كبيراً لي، علماً أنني واثق من أنّ الساحة الأدبية العالمية تضمّ مجموعة مهمة من الأدباء الكبار الذين يستحقون الحصول على هذه الجائزة المرموقة، والذين ربما يكون بعضهم أجدر مني بالحصول عليها. إلى أي مدى يُمكن لفوزك بجائزة «نوبل» (في هذه السنّ المبكرة نسبياً) أن يؤثّر في مسارك الإبداعي في ما بعد؟ - بالطبع، سيكون من الصعب أن أتمتع بحياة مستقرة بسبب اللقاءات الإعلامية والندوات وغيرها من الأنشطة الاجتماعية المتعلقة بهذا الحدث، لكنني على ثقة من أنني سأتمكن من تجاوز هذا الأمر خلال ستة أشهر وأعود إلى نشاطي الإبداعي. وكما تعلمون، فإنني حصلت العام الماضي على جائزة «مادون»، التي تعتبر أرفع الجوائز الأدبية في الصين، واستطعت أن أنسى فوزي بها بعد عشرة أيام فقط من الإعلان. ومثلما عدت إلى حياتي الإبداعية سريعاً بعد «مادون»، أتمنى العودة إليها بسرعة بعد «نوبل»، وآمل أن أنسى فوزي بهذه الجائزة الكبيرة التي عادة ما يكون لها تأثير واضح في المسار الإبداعي للأدباء الفائزين بها، إلى حدّ أن بعضهم يعجز عن كتابة أعمال قيمة بعدها. سأبذل مزيداً من الجهد حتى أتمكّن من تقديم أعمال أفضل. وربما يكون هذا أفضل ما يمكن أن أقدمه للقراء وللجنة نوبل التي تشرّفت جداً بأن اختارتني هذا العام للفوز بجائزتها. هل تعتقد أن منحك جائزة «نوبل» هذا العام يشير إلى أنّ لجنة نوبل التفتت أخيراً إلى الأدب الصيني؟ - خلال الثلاثين عاماً الأخيرة، أي منذ تطبيق سياسة الإصلاح والانفتاح، شهدت الصين تطوراً كبيراً في شتى مجالات الحياة، بما فيها الأدب، وقدّم الأدباء الصينيون خلال هذه الفترة عدداً كبيراً من الأعمال التي حازت تقدير القرّاء داخل الصين وخارجها. وما رأيك في ما ذكرته لجنة نوبل من أن أعمالك تتميز بالمزج بين ما هو واقعي وما هو أسطوري وأنها متأثرة بالواقعية السحرية؟ - تتميز أعمالي بالمزج بين الواقعي والخيالي والغوص في عالم الأحلام، وليس العالم السحري بالمعنى الدقيق للكلمة، وهذا يدلّ على اختلاف معنى كلمة «السحر» الذي أشارت إليها لجنة نوبل، وبين معنى المفردة في اللغة الصينية. حضرت ندوة سكرتير لجنة نوبل في شنغهاي الشهر الماضي، ولاحظت اختلاف الترجمة الإنكليزية لكلمات لجنة نوبل في تقييم إبداعي. أما عن تيار الواقعية السحرية ورائده غابرييل غارثيا ماركيز، فبالطبع كان له تأثير واضح في أسلوبي وإبداعاتي القصصية في فترة الثمانينات، إذ كنت أسير على خطى الواقعية الصينية التقليدية. وفي الحديث عن المزج بين ما هو واقعي وخيالي أو أسطوري في أعمالي، يجب أن نُعيد ذلك إلى نشأتي في هذه المنطقة من الصين (شاندونغ)، هذه المنطقة الغنية بالتراث الشعبي والأساطير. وأنا تأثرت بأعمال كتاب صينيين ينتمون إلى هذه المنطقة مثل بوسونغ لينغ الذي عاش في غرب شاندونغ، قبل نحو مئتي عام. هذا بالإضافة إلى تأثري بأمهات الأدب الصيني الكلاسيكي مثل «حلم المقصورة الحمراء» لتساو شويه تشين، وغيرها من الأعمال الكلاسيكية. وفي هذا الصدد أفضل أن يُذكر أن تأثري بالكاتب الصيني بوسونغ لينغ، ابن «شاندونغ»، في مسألة المزج بين الواقعي والأسطوري، يفوق تأثري بماركيز. وأنا تأثرتُ أيضاً بالأميركي وليام فوكنر واليابانى ياسوناري كواباتا، والألماني إدغار هيلسنرات، وميخائيل شولوخوف وتولستوي وغيرهم من الكتاب الكبار. ومن بين كتاب الأدب الصيني الحديث، كان لكل من لوشيون وماو دون وشين تسونغ ون تأثيرهم الواضح في إبداعاتي. ما دمنا نتحدث عن رواد الأدب الصيني الحديث أمثال لوشيون وماو دون وغيرهما، فما رأيك في القول بأن نوبل كانت قد تخطت لوشيون وماو دون وشين تسونغ ون وباجين ولاوشه وغيرهم من الرواد؟ - في الحقيقة يصعب الحديث حول هذا الموضوع، خصوصاً أننا لم نطلع على الملفات الخاصة بلجنة نوبل وما يتعلّق بهؤلاء الكتاب الكبار. في حين تجدر الإشارة إلى أن أحد أعضاء لجنة نوبل كان ذكر أن اسم الكاتب الصيني شين تسونغ ون كان قد وصل إلى القائمة القصيرة عام 1986، لكنه توفي قبل إعلان الفائز بالجائزة آنذاك، وبالطبع فإن إدراج اسمه ضمن القائمة القصيرة لا يعني حتمية فوزه بها. أما با جين، فإنه يتمتع بمكانة مهمة في تاريخ الأدب الصيني الحديث، إلا أنّ هذا الأمر يبدو معقداً بعض الشيء، ويرتبط إلى حد كبير بواقع الصين في مطلع الثمانينات من القرن العشرين. فالأدب الصيني لم يحظ آنذاك بالنشر والترجمة المناسبة إلى اللغات الأجنبية. وأرى أنّ عدم حصول هؤلاء الكتاب على جائزة «نوبل» لا يُقلّل من مكانتهم وقيمتهم الأدبية، كما أنه لم يؤثر في مكانتهم في تاريخ الأدب الصيني وفي قلوب القراء الصينيين. عند الإعلان عن فوزك، لم يكن لك سوى رواية واحدة تجري ترجمتها إلى العربية وهي «الذرة الرفيعة الحمراء». هل لذلك علاقة بحجم التبادل الثقافي بين الصين والعالم العربي؟ - دعني بداية أؤكد عمق العلاقة التي تربط بين الصين والعالم العربي منذ زمن بعيد، والتي تعتبر أقدم بكثير من العلاقات التي تربط بين الصين والعالم الغربي. وهناك بالطبع تأثر متبادل بين الثقافتين الصينية والعربية. في حين أن المنطقة العربية شهدت في العصر الحديث الكثير من الاضطرابات السياسية التي كانت سبباً للتأثير في الجانب الثقافي والقراءة عند المواطن العربي، كما نعتقد أن قيامك بترجمة روايتي «الذرة الرفيعة الحمراء» إلى العربية تُعدّ بادرة طيبة لترجمة الأدب الصيني المعاصر إلى العربية والتعريف به لدى القراء العرب. كما أتمنى أن يشهد مجال الترجمة عن الأدب العربي تطوراً واضحاً وأن يطّلع القراء الصينيون على أعمال الأدباء العرب الكبار أمثال نجيب محفوظ وجمال الغيطاني والشعراء العرب المعاصرين أمثال محمود درويش وأدونيس وغيرهم من الأدباء من مصر ولبنان وسورية وغيرها من الدول العربية. ويعتبر صدور الترجمة العربية لروايتى «الذرة الرفيعة الحمراء» من خلال «المركز القومي للترجمة» في مصر حدثاً كبيراً ومهماً في مجال التبادلات الأدبية بين الصين والعالم العربي. أتمنى أن تنال هذه الترجمة إعجاب القراء العرب وتقديرهم، وأتمنى أن تتم ترجمة المزيد من الأعمال الأدبية الصينية إلى العربية. وأنا أشكر «المركز القومي للترجمة» على هذه الخطوة المهمة في مجال ترجمة الأدب الصيني المعاصر. هل أتيحت لك الفرصة لقراءة أعمال لنجيب محفوظ أو غيره من الكتاب العرب؟ - نعم اطلعت على بعض أعمال نجيب محفوظ وبخاصة روايته «أولاد حارتنا»، وبعض أعمال جمال الغيطاني التي صدرت لها ترجمات بالصينية، ولم تتح لي الفرصة لمطالعة أعمال كتاب عرب آخرين. تتميز أعمال محفوظ بالأسلوب الواقعي الذي يصور المجتمع المصري والمواطن المصري خير تصوير، وهو يقدم في أعماله صورة واضحة عن المنطقة التي نشأ فيها وعاش وارتبط بأهلها، ويكتب عن أصدقائه الشباب وعن اهتماماتهم آنذاك. من هنا يمكن القول إن أعماله تتميز بملامح مصرية خالصة. في حين أرى أن هناك علاقة واضحة بين الغيطاني ومحفوظ ربما تكون «علاقة تلميذ بأستاذ»، فيظهر تأثر الأول بالثاني عبر الارتباط بالملامح المصرية، إلا أن الغيطاني يتجاوز ذلك عبر التأثر في إبداعاته ببعض التيارات والأساليب الغربية. كتابات الغيطاني فيها شيء من الحداثة، وهو من وجهة نظري كاتب كبير ولديه الكثير من الأعمال الجيدة. في ما يتعلق بالأدباء العرب، احتوت قائمة نوبل هذا العام بالإضافة إلى اسم مو يان والكاتب الياباني هاروكي موراكامي اسم الشاعر العربي المعروف أدونيس، كيف تقيّمون إبداعات الشاعر أدونيس؟ - صدرت أخيراً في الصين ترجمة لأشعار أدونيس، وأطلعت عليها منذ وقت قريب، وأعتقد أن شعر أدونيس يتميز بملامح عربية واضحة لكونه يكتب عن الإنسان العربي ومعاناته. وبالطبع فإن أدونيس شاعر كبير وجدير بالحصول على هذه الجائزة، أما هاروكي موراكامي فهو كاتب عظيم ويتمتع بشهرة كبيرة على المستوى المحلي والعالمي، وثمّة الكثير من القرّاء الذين يتابعون إبداعاته الثرية في كلّ أنحاء العالم. ويتميّز أدبه بملامح آسيوية خاصة، بالإضافة إلى تأثره بالأساليب الإبداعية الغربية، ومن ثم فإن القبول والتقدير الكبيرين اللذين تحظى بهما أعماله بين جمهور القراء الشباب إنما ينبعان من تعبيرها عن الثقافات المتعددة والتأثر بالأساليب الأدبية الحديثة. وبالطبع فإن حصوله على جائزة نوبل سيقابل بالترحيب والسعادة البالغة من القراء. وخلاصة القول هي أن كلاً من أدونيس وموراكامي جديران بالحصول على هذه الجائزة. لمناسبة ترجمة روايتك «الذرة الرفيعة الحمراء»، إلى العربية، ماذا تقول للقراء العرب؟ - أقول لهم: أعزائي القراء العرب في كل البلدان العربية الصديقة، تحية إليكم جميعاً، وأشكرك أنت شخصياً لأنك، بترجمتك هذه الرواية عن الصينية مباشرة، أتحت الفرصة أمام هؤلاء القرّاء أن يطلعوا على واحدة من أهم أعمالي الأدبية، والتي كانت سبباً في شهرتي في الأوساط الأدبية الصينية والعالمية، كما تم تحويلها إلى فيلم سينمائي عرِض أواخر الثمانينات وحاز إعجاب الكثيرين داخل الصين وخارجها وحصد جوائز كبيرة. * أجري الحوار للقناة الثقافية في التلفزيون السعودي