ما زال مسلسل معاناة المرأة من العنف مستمراً يتناقل قصصه الإعلام بشكل يجعل من الصعب تجاهله والكتابة في موضوع آخر، وبالنظر إلى حالة «معنفة خميس مشيط»، وقصتها التي يعرفها وسطها الاجتماعي بوضوح دون أن يسعى لحلها، يمكننا أن نكون صورة واضحة عن آلية تعاملنا مع قضايا العنف، وكم من الانتهاكات الإنسانية التي ترتكب في حق المرأة. لقد حكت الفتاة العشرينية، عن ما لا قته من تعذيب، وضرب، وإهانة على يد زوجها الذي ارغمت على الزواج منه. تقدمت ببلاغ للشرطة ثلاث مرات خلال ست سنوات زواج، وفي كل مرة يتخلى عنها والدها، ويرفض أن يتسلمها، ويتوسط أهل الزوج، فتعود صاغرة «برخصة» تسمح بتعذيبها نفسياً وجسدياً، حتى ضربت بلوح خشبي، وكويت بالنار، وحبست بالأيام في دورة المياه، وقدم لها البول والبراز للشرب والأكل، وأخيراً تمكنت من الهرب، ولجأت إلى الشرطة من جديد، فحمل الزوج طفلتهما واختفى.. هناك اسئلة مشروعة لا توجد لها إجابات محددة قد تخص هذه القضية أو ما شابهها من قضايا العنف ضد المرأة التي لها تفاصيل مختلفة. فلماذا لم يحقق في قضيتها بعد التبليغ ثلاث مرات، وإن تراجعت؟ هل هناك آلية أو نظام واضح للتعامل مع هذه الحالات؟ متى يتم توقيف المُعنف؟ هل تكفي شكوى الضرب والتعدي أم أنها يجب أن تصل إلى القتل أو الشروع فيه؟ فإن ثبت اعتداء الزوج وتعذيبه لها، والأب يرفض أن يتسلمها، ماذا سيكون مصيرها؟ فهل تودع دار الحماية، ومن المعروف أن من يودعن الدار يبقين حبيسات وكأنهن مذنبات؟ كم من الوقت سيتطلب لإنهاء معاناتها وخروجها من الدار إن كان «ولي أمرها» يرفضها؟ هل من المؤكد أن تحصل على حضانة دائمة لابنتها إن ثبت عنف الزوج؟ ومن سيضمن نفقتها؟ وبينما تم ايداع الفتاة دار الحماية حتى تنتهي التحقيقات في قضيتها، استطاعت خمس مبتعثات الحصول على الحماية في أميركا تحت ما يسمى ب « فيزا ضحية جريمة» (U1- Victim of Crime Visa) والتي تُمنح لضحايا الجرائم ليتمكنوا من العيش بشكل قانوني في الولاياتالمتحدة، بحسب تصريح مصدر في الملحقية الثقافية السعودية في واشنطن، بسبب خلافات مع الزوج أو الأخ،(«الحياة»، 18/11/2012). ولم يحدد المصدر المشكلة بوضوح واعتبرها «خلافات»، علماً بأن هذه « الفيزا» لا تمنح إلا لضحايا الجرائم الذين تعرضوا لإساءة بدنية أو عقلية، ويملكون معلومات عن الجريمة تسهم في ملاحقة المتهم، وأن يكون النشاط الإجرامي قد وقع على الأراضي الأميركية. ويعتبر العنف الأسري، والاغتصاب، والتعذيب، والتحرش الجنسي، والابتزاز، وغيره، من هذه الجرائم. وبحسب المصدر فإن إحدى الفتيات التي حصلت على حكم من المحكمة الأميركية لمصلحتها، فضلت البقاء في أميركا مع أطفالها لعدم وجود ضمانات لحمايتها عند العودة! ما هي الآلية، وما هي الضمانات؟ هذا تحديداً ما تعاني منه «معنفة خميس مشيط» وغيرها من المعنفات. فقصة الشقيقات اللواتي أُتهمن بمحاولة قتل والدهن وحرقه، كن قد أبلغن الشرطة عن محاولات تحرشه بهن، ولكن بتعهد خطي انتهت القضية، وعاد يسكن في المنزل نفسه، ويمارس ما كان يمارسه من أفعال من ثماني سنوات، فقررن الانتقام بأنفسهن!(الشرق،21/11/2012). لو كانت قضيتهن حسمت من الجولة الأولى بإبعاد الأب عنهن، والتحقيق في القضية، هل كن سيحاولن التخلص منه والتورط في جريمة قتل؟ تكشف هذه القصص بدمائها، ودموعها، وآلامها حاجتنا الماسة لأنظمة وتدابير تشريعية واضحة لا لبس فيها تحدد المشكلة بشكل واقعي، وآلية التعامل معها، والجهات المسؤولة، وتعاقب عليها. لا أن تترك لاجتهادات شخصية تتحكم فيها عادات، وتقاليد، ومفاهيم اجتماعية، وثقافية تنتهك كثيراً من حقوق المرأة الإنسانية. [email protected] DaliaGazzaz