كان خبر إطلاق سراح «فاطمة»، بعد سجنها لرفضها السكن مع والدها ومطالبتها بحقها في الزواج، انتصاراً لحقها الإنساني وتحقيقاً للعدالة. وبعد معاناة، تمكنت من إيصال قضيتها إلى مجلس القضاء الأعلى، لتنهي تجربة سوداء استنزفت سنوات من حياتها، تطرقت لها في مقال سابق بعنوان «لو حبسوني...لا تنسوني». ولكن كم من امرأة لم تتمكن من السعي وراء حقها، وكم من امرأة لا تعرف سبل الوصول إلى حقها، وكم منهن لا تقوى على قسوة السجن فترضى بواقعها مهما كان ظالماً؟ فهل لا بد أن تسجن أو تعنف أوتصعد قضيتها إعلامياً حتى يصل صوتها وتحصل على حقوقها الإنسانية؟ الإجابة بنعم عن هذا السؤال ليست أكيدة! ظهر «وسم» أو ما يعرف ب (hash-tag) على موقع «تويتر» ليذكرنا بقضية «طبيبة المدينة»، عاشت قرابة ثماني سنوات في دار الحماية، بعد تعرضها للعنف من والدها بسبب رفضها العضل من 10 سنوات، وبدلاً من أن تتحقق العدالة لها وتمكنها بما أقره الشرع، أصبحت حبيسة كالمتهمة، وعطلت عن ممارسة حياتها الطبيعية كطبيبة، وزوجة، وأم، وقد تجاوزت 44 من عمرها. فبعد حسم قضية فاطمة، لابد أن نفكر في مصير الطبيبة التي لا تتمكن من ممارسة عملها كجراحة في مستشفى حكومي لأنه غير مسموح لها بمغادرة دار الحماية، وتكتفي بعلاج نزيلاتها. وبعد مصادقة محكمة التمييز على رفض قضية العضل، لجأت إلى هيئة حقوق الإنسان من سبعة أشهر، علها تكون وسيلة لإيصال صوتها ورفع الظلم عنها. تؤكد هذه القضايا على حاجة ملحة لإيجاد نظام للأحوال الشخصية أو مدونة للأسرة تحمي حقوق المرأة من الانتهاك، وعلى رغم مطالبات كثيرة، ظهرت في السنوات الأخيرة، لا توجد بوادر مشروع قريب قد يشكل تحولاً جذرياً في واقع قضايا المرأة والقضايا الأسرية. ومع تفاؤل البعض بخبر تحويل المحاكم الجزئية للضمان والأنكحة إلى محاكم أحوال شخصية، يرى مختصون أنها لن تحقق الكثير طالما غابت مدونة الأسرة. كانت هيئة حقوق الإنسان قد صرحت في كانون الثاني (يناير )2011 بأنها تعمل على إدراج جريمة العضل ضمن نظام مكافحة جرائم الإتجار بالبشر الذي أقر في 2009، والذي تصل العقوبة فيه للسجن 15 عاماً وغرامة مالية، حيث شددت الهيئة على خطورة عضل المرأة عن الزواج، مذكرة بما ينتج من هذه الممارسات من ظلم، وتعسف في استعمال الولاية الشرعية. ورأى قانونيون أن نصوص مواد النظام التي تجرم الإكراه، والتهديد، والاستغلال، وإساءة استخدام سلطة ما، يمكن أن تتطابق مع قضايا العضل، ولكن لم يعلن عن أي جديد! حتى الآن لم يتغير الواقع، ويبدو أن المعضولات وغيرهن اللواتي حسمت قضاياهن، كن أوفر حظاً من الطبيبة التي قالت: «عندما سمعت خبر إطلاق سراح فاطمة، بكيت كثيراً. فهل لا بد أن أسجن حتى تحل قضيتي؟! فأنا في سجن آخر ولم أعد أحتمل، وقد ضاع عمري». فعلاً، كم بقي من العمر حتى تتمكن من ممارسة حق شرعي وإنساني بات حلماً صعب المنال؟! [email protected] DaliaGazzaz@