تضطر منال (25 سنة) الى العمل في صناعة الخبز منذ ساعات الصباح الباكر وحتى العصر في ركن خرب لجأت إليه قرب مدرسة في طور الإنشاء حيث تقيم، بعدما اضطرتها الظروف المعيشية الصعبة إلى العمل لإعالة ابنها الوحيد اثر فقد والده قبل سنة. ومنال التي اعتادت حرارة الصيف اللاهبة تؤكد وهي تمسح العرق عن وجهها بمنديل أسود أن «الله لن يتخلى عني وعن هذا الطفل الذي لا جريمة له سوى انتمائنا الطائفي». وتضيف أن «والده خرج إلى العمل كالعادة في نقل الأثاث بسيارته البيك آب ولكنه لم يعد إذ خطفته العصابات الطائفية المسلحة». وفيما تغلف المرارة والحسرة حديث «منال» أو «أم سعد»، كما يلقبونها في حي الشهداء، يزيد بقاؤها «معلّقة»، كما يصفها جيرانها، من حزنها وتعاستها. وتقول: «أصبحت معلّقة، لا أرملة ولا متزوجة. وفي مثل حالي، لا أمل لها سوى العيش لتربية هذا الطفل». ويطلق سكان مدينة بعقوبة لقب «المعلّقة» أيضاً على النساء اللواتي فقدن أزواجهن في حروب خاضها نظام الرئيس الراحل صدام حسين مع إيران وقوات «التحالف» في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي. إلا أن اللقب اتسع تداوله بين النساء وخصوصاً في مناطق شهدت أعمال عنف طائفي أسفرت عن فقدان 2052 رب أسرة وطالباً وشاباً، لم يعثر على ما يدل على وفاتهم أو بقائهم أحياء، بحسب مصدر أمني طلب عدم ذكر اسمه. وقال هذا المصدر ل«الحياة» إن «عزوف الدولة عن رعاية أطفال ونساء الضحايا أجبرهن على امتهان البعض منهن التسول والآخر العمل في الأسواق والبيوت، وهو ما يزيد من معاناتهن وصعوبة تدبير معيشتهن، وخصوصاً بعدما طاولت ظاهرة الفساد والتزوير منظمات الرعايا في المدينة، ما أدى الى حرمان مئات النساء من المعونة المالية». ويعتقد بأن «ما خلفته أعمال العنف فاقم من نسبة المشاكل الاجتماعية بعد ارتفاع نسبة الأرامل والأيتام الى 15 ألف أرملة و35 ألف يتيم غالبيتهم من الأطفال». ووفقاً لتقارير اللجنة الدولية للصليب الأحمر، فإن حوالى ثلاثة ملايين امرأة في البلاد مسؤولة عن إعالة عائلاتهن، لكن تقرير الجهاز المركزي للإحصاء وتكنولوجيا المعلومات في وزارة التخطيط العراقية يؤكد أن «النتائج التي أظهرها المسح الاجتماعي والاقتصادي طوال عام 2007 يثبت أن عدد النساء الأرامل يبلغ 899707 أرملة». وتؤكد عضوة جمعية دعم اليتامى في محافظة ديالى بشرى خليل أن «مئات الأسر فقدت أربابها وأصبحت عائلاتها بلا معيل. كما أن الدعم الذي توفره المنظمات الإنسانية للأيتام والأرامل لا يتمكن من استيعاب أو احتضان هذه الأعداد الكبيرة». ودعت الحكومة إلى «تبنى قرارات من شأنها الحيلولة دون مضاعفة معاناة هذه الأسر، والتي تتجاوز الإمكانات المحلية والتبرعات المالية». وتؤكد «أم احمد» التي فقدت زوجها منذ سنتين أن «الحكومة مقصرة إزاء أوضاعنا وصعوبة معيشتنا، ولا يوجد أي دعم لنا كنساء ضحايا. ولا نعرف إلى أي مصير ستؤول أحوالنا».