سعود بن مشعل يستقبل المعزّين في وفاة أخيه عبدالعزيز    أمير الشرقية يطّلع على إنجازات جامعة حفر الباطن    مزارع الريف    الرياض.. طفلة تحت المطر    لحظة تأمل    46% من المشاريع للبناء والتشييد    تحالف خليجي لتوطين التحكيم التجاري    المملكة تدين استهداف المستشفى السعودي في الفاشر    سياسة مختلفة    أكذوبة محاربة الاحتكار الغربية    200 أسير فلسطيني مفرج عنهم ضمن اتفاق وقف النار    في ختام الجولة ال 17 من دوري روشن.. الهلال في اختبار القادسية.. والاتحاد في ضيافة ضمك    ولي العهد ورئيسة وزراء إيطاليا يبحثان تعزيز العلاقات بين البلدين    الجمعان ومستقبل النصر    بعد اشتباكه مع قائد الفريق.. مدرب ميلان: اللاعبون كالأطفال بحاجة للتأديب أحياناً!    «بيدري» برشلونة يقترب من دوري روشن    شرطة النعيرية تباشر واقعة شخص حاول إيذاء نفسه    "سلمان للإغاثة" يوزّع مواد إغاثية في مدينة حرستا بمحافظة ريف دمشق    طفاية الحريق في المركبة.. أمن وسلامة    الجوال السبب الأول لحوادث المرور في القريات    ليلة تكريم جميلة مطرَّزة بالوفاء والإخاء    رضا الناس غاية لا تدرك    الزيارات العائلية    فعالية «مسيرة الأمم»    كيف يعشق الرجال المرأة.. وكيف تأسر المرأة الرجل؟    ضيوف برنامج خادم الحرمين يزورون معالم المدينة المنورة    دراسة: الإجهاد النفسي يسبب" الإكزيما"    نيمار حدد موعد ظهوره بشعار سانتوس    طلال بن محفوظ - جدة    النصر يؤكد بقاء الثنائي العقيدي وغريب :"عيالنا .. كفاية إشاعات"    أمير منطقة القصيم يعزي أسرة الزويد.. ويوجه بتسمية قاعة بالغرفة التجارية باسمه    السعودية باختصار    السعودية وسورية: الرهان على الشعب السوري!    «البرلمان العربي»: محاولات تهجير الفلسطينيين من غزة انتهاك صارخ للشرعية الدولية    "سلمان للإغاثة" يواصل تقديم المساعدات الإغاثية في بلدة جباليا شمال قطاع غزة    المشكلة المستعصية في المطار !    استئناف إصدار تأشيرات الدخول للسودانيين عبر سفارة المملكة في بورتسودان    السعودية نجم «دافوس»    اتفاقيات التعاون.. والتكاذب المؤسّسي    شريف العلمي.. أشهر من طوّر وقدّم برامج المسابقات المُتَلفزَة    وجناح «هيئة الأدب» يجذب الزوار    هيئة المتاحف تشارك جامعة نجران لتعزيز التعاون الثقافي    أسعار العقار بيننا وبين الصين!    ولاء بالمحبة والإيلاف!    نائب وزير الدفاع يرعى حفل تخريج الدفعة (105) من طلبة كلية الملك فيصل الجوية    عمل بعيد المدى لوزارة الشؤون الإسلامية    الدراسة عن بعد بمدارس وجامعة القصيم.. غداً    محافظ الخرج يستقبل الرشيدي    بموطن الشعر والشعراء.. الصقور تعيد الحياة لسوق عكاظ    مستشفى دله النخيل بالرياض يفوز بجائزة أفضل خدمات طوارئ في المملكة 2024    ضيوف الملك.. خطوات روحية نحو السماء    تجمع الرياض الصحي الأول: نحو رعاية وأثر في ملتقى نموذج الرعاية الصحية 2025    الديوان الملكي: وفاة والدة صاحب السمو الأمير فهد بن سعود بن محمد بن عبدالعزيز آل سعود بن فيصل آل سعود    رئاسة الحرمين.. إطلاق هوية جديدة تواكب رؤية 2030    تمكين المرأة: بين استثمار الأنوثة والمهنية ذات المحتوى    ترحيل 10948 مخالفا للأنظمة خلال أسبوع    إنجازات تكنولوجية.. استعادة النطق والبصر    الهروب إلى الأمام والرفاهية العقلية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«كرد وعرب فد حزام»؟
نشر في الحياة يوم 09 - 08 - 2009

كم «هوّسنا»، ونحن شبّان، بشعار «كرد وعرب فد حزام» (الأرجح ان الحزب الشيوعي العراقي أطلقه) في تظاهرات ما بعد «ثورة 14 تموز» عام 1958. العبارة كانت الترجمة العامية لشعار «الأخوة العربية – الكردية» (البعض تمادى بإضافة صفة «الخالدة» اليه)، وأيضاً «على صخرة الإخاء العربي – الكردي يتحطم الاستعمار»، الذي كان شعاراً مشتركا بين الحزب الشيوعي (الأممي) والحزب الديموقراطي الكردستاني (القومي)، وجسد مرحلة تاريخية في العراق منذ النصف الثاني من أربعينات القرن العشرين.
قناعة بدت راسخة بين الكرد بأنهم أصبحوا حقاً «فد حزام» مع العرب في عراق عبد الكريم قاسم «الجديد». إذ سرعان ما عاد الى العراق الزعيم الكردي ملا مصطفى بارزاني، وحظي باستقبال الأبطال، بعدما أمضى 13 عاماً في المنفى وتبعه المئات من رفاقه ومقاتليه الذين كانوا لجأوا معه الى الاتحاد السوفياتي. وقبل انتهاء عام 1958 أعلن قائد «الثورة» الزعيم الركن (الفريق الركن لاحقاً) عبد الكريم قاسم دستوراً موقتاً نصت المادة الثالثة منه على ان العرب والكرد «شركاء» في الوطن. الى ذلك ضم قاسم الى حكومته أعضاء من القوميين الكرد. صحيفتا «خه بات» بالكردية و «التآخي» بالعربية، والاثنتان ناطقتان باسم االحزب الديموقراطي الكردستاني، صارتا تصدران علناً. ولما صدر بعد ذلك قانون للأحزاب مثير للجدل، كان هذا الحزب بين عدد محدود من أحزاب أخرى منحت حق النشاط العلني. هذه الشعارات انسجمت مع متطلبات تلك المرحلة ما أضفى عليها طابعاً واقعياً مقرونا بتوقعات ثبت لاحقاً انها كانت مجرد أوهام، ناهيك عن عامل الغرام المميز لشعوب المنطقة بالشعارات، خصوصاً العاطفية التي لها وقع موسيقي يساعد على ترديدها في «الهوسات».
معروف ما حدث بعد ذلك من تطورات. فالحزام الواحد بدأ يتقطع بسرعة بعدما أعلنت «الثورة» الحرب على الكرد وبدأت المواجهات المسلحة بين الجيش العراقي وقوات البشمركة، واعلان الحزب الكردستاني بزعامة ملا مصطفى الكفاح المسلح في ايلول (سبتمبر) 1961 تحت شعار «الديموقراطية للعراق والحكم الذاتي للكرد». هكذا بدأ الموت البطي لشعار «الأخوة العربية – الكردية» حتى جاء حكم حزب البعث وصدام حسين ليوجه رصاصة الرحمة على ذلك الشعار. وأصبح الحزام الواحد حزامين.
تلك كانت مراحل تراجيدية مرت بها العلاقات العربية – الكردية في العراق تجسدت ذروتها في حرب الابادة وجرائم الحرب والأنفال والاسلحة الكيماوية وحلبجة والتطهير العرقي ضد «شعبنا الكردي» وتدمير القرى والبنى التحتية في «شمالنا الحبيب»، بحسب مصطلحات «الأشقاء» العرب في ذلك الزمان.
بعد هذه المقدمة نقفز الى مرحلة ما بعد نيسان (ابريل) 2003 التي شهدت تحرير البلد من النظام التوتاليتاري كي تبدأ عملية المخاض الصعب لبناء دولة العراق الجديد. ولكي يتم ذلك بات منطقياً ان تكون عملية البناء على أسس جديدة يخوض خلالها العراقيون جدالات ومناظرات وصراعات عنوانها ان الشراكة الحقيقية، ليس بين العرب والكرد فحسب، بل بين المكونات الاجتماعية بكل ألوانها وجماعاتها، ينبغي أن تقوم على شراكة المصالح والتوافقات المتبادلة ضماناً وحيداً لدوام واستمرار العراق الذي يراد له ان يكون جديداً حقاً.
لاحظوا ان هذا التوجه لم يقتصر على الكرد، بل شمل الجميع، عرباً وتركماناً، شيعة وسنة، علمانيين واسلاميين، مسيحيين وجماعات دينية واثنية أخرى، وحتى محافظات جنوبية ووسطى في مقابل المركز نفسه. طبعا اتخذ الجدل طابعاً أكثر حدة وصراحة، وأحيانا مواجهة، بالنسبة الى طروحات ومطالب الكرد الذين سعوا منذ البداية الى ضمانات صلبة للحفاظ على كيانهم وحقوقهم ومصالحهم من شأنها ان تجعلهم يشعرون بأن الشراكة ليست مجرد شعار هلامي جميل يسوده الغموض، بل شيء ملموس واضح المعالم يحدده الدستور والقوانين الاساسية الاخرى وقابل للتطبيق والممارسة الفعلية. ومفيد في هذا المجال إعادة التذكير بأمثلة من التاريخ القريب والأبعد حيث يكفي الاستشهاد بالمثال الأبرز منها. فالجدل في الولايات المتحدة احتدم على مدى 13 عاماً قبل التوصل الى اتفاق بين هذه الولايات على الدستور الاتحادي وتقاسم السلطات بين المركز والولايات التي دافعت بضراوة عن مصالحها.
هكذا فإن ما يحدث في العراق ينبغي النظر اليه باعتباره ظاهرة صحية، خصوصاً ان هذا الصراع لا يعتمد القوة والسلاح وسيلة للحسم، بل يستند الى الحوار والجدل والمنطق والإقناع وصناديق الاقتراع والدستور، وهو ما يجري بالفعل على رغم كل السلبيات وفي كثير من الحالات العجز عن الفهم الصحيح للقواعد الديموقراطية المتحضرة للحوار. في اية حال يمكن الزعم ان الجدل المتواصل بين بغداد وأربيل يمكن اعتباره انموذجاً لا بأس به في هذا المجال، مع الأخذ في الاعتبار ان هذا النوع من الجدل ما زال ممارسة تحبو في بلد خضع أكثر من ثلاثة عقود لواحد من أعتى الأنظمة التوتاليتارية في العالم.
ما يبشر بالتفاؤل ان الجدل بين بغداد وأربيل ينبذ الكلام والطروحات الموشّاة بالشعارات الوهمية والعواطف «الأخوية». فبعد اشهر من التناطح بالتصريحات والتصريحات المضادة بين المركز واقليم كردستان عاد الطرفان الى مائدة التفاوض عبر الزيارة التي قام بها قبل اسبوع رئيس الوزراء نوري المالكي الى إقليم كردستان ولقائه رئيس الأقليم مسعود بارزاني، وقد أسفرت عن الاتفاق على اجراء محادثات متواصلة على مستوى رفيع لحل المسائل العالقة.
الأكثر مدعاة للتفاؤل أن الطرفين يسعيان الى وضع الخلافات بينهما في اطار المصالح وليس اعتباره صراعاً عربياً – كردياً، تماماً مثلما هي الخلافات بين المركز وبقية محافظات العراق التي تسعى الى انتزاع مزيد من الحقوق والسلطات من المركز، على حد تعبير رئيس الوزراء نفسه.
قصارى الكلام ينبغي ان يكون هذا هو الأساس. لا «كرد عرب فد حزام»، بل مصالح متبادلة بين الكرد والعرب وبقية المكونات، وفي هذا وحده ضمان بناء العراق الجديد دولة عصرية قابلة للدوام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.