السرقة، بحسب معظم المعاجم العربية: الأخذ خفية بغير وجه حق. انطلقت «الصحافة العربية الإلكترونية»، على يد الصحف الورقية عامي 1995 و1996 («الشرق الأوسط» و «الحياة»، «النهار» و «السفير» اللبنانيتان). لم تتجاوز تجارب الصحف الورقية لسنوات عدة تلت، نسخة إلكترونية للورقي على الإنترنت. قبل ظهور مواقع إلكترونية لقنوات تلفزيونية إخبارية مثل «الجزيرة نت» و «العربية نت»، في مطلع القرن ال 21، ظهر «موقع باب الإخباري» السعودي وصحيفة «إيلاف الإلكترونية». ثم توالت ظاهرة الصحف أو المواقع الإخبارية الإلكترونية التي ليس لها أصل ورقي. استفادت الأخيرة، من تأخر الصحف الورقية العربية عموماً، في فهم قيمة الصراع مع الزمن لنشر الأخبار حال حدوثها أو ورودها من المصادر الموثوقة. وعلى رغم افتقار جل «إلا ما ندر» المواقع أو الصحف الإلكترونية ذات الأصل غير الورقي إلى الخبرات والموارد البشرية أو المالية في مواجهة المحتوى الإلكتروني المُكلف المرفوع من الورق، فإن الصحف الورقية أعفت «منافسيها الجدد» على الإنترنت من التفكير في البدائل! هكذا، لم يُبذل جهد ملحوظ للتفكير في صيغة ل «سرقة» كل ما هو مميز من إنتاج الورق، مجاناً! ولنفترض، موقتاً، أنه «نقل» متعارف عليه وليس «سرقة». والحال أن «النقل» كان أبرز العناصر التي أكسبت مواقع إلكترونية قيمة مضافة، لم تكلفهم سوى عناء الانتقاء من بين مئات وربما آلاف المواضيع والمقالات، وأحياناً تكييف الانتقاء مع معلومات مستجدة. توّج هؤلاء خصوصيتهم بتشكيلهم مع التحديث والسبق و «النقل» انتقاءً من صحف ورقية عدة، هوية ما عُرف بالصحافة الإلكترونية العربية، وهو ما كُتبت له شعبية جارفة في السنوات الأخيرة، في وقت سبات عميق، بل ربما تجاهل، منبعه نظرة دونية أو جهل، من قيمين على الصحافة الورقية. لا يختلف على أن محتوى الصحف الورقية اليومي، يُشكل كماً - لا يستهان به، من محتوى قنواتها الرقمية. محتوى المنتج الورقي مكلف. لا تقف الكلفة عند كاتب المادة (مقالة أو خبر أو تحقيق أو تقرير أو حوار أو سواه). هناك من يعيد الصياغة، ومن يصحح، ومن يجيز، ومن يترأس كل قسم أو صفحة ويديرها على حدة. (لاحظ، لم نتحدث عن كلفة الورق والطباعة بعد). يعتبر عدد القراء أو الزوار إلى موقع على الإنترنت، العملة الموحدة نسبياً، أي القيمة المادية التي تقيم محتوى ما أو القيمة الإعلانية المكافئة. يضاف إلى ذلك العلامة التجارية للموقع ومدى قيمتها استناداً إلى نوعية الجمهور. إذ إن مليون زائر إلى موقع إلكتروني ما، ربما يقدرون مالياً بنصف قيمة مليون زائر إلى موقع إلكتروني آخر. وكل ما سبق يشير، مثلاً، إلى أن حساب قناة «العربية» المسمى «أهم المقالات» ووصفه: «حساباً لأهم ما يكتب من مقالات في الصحافة العربية» سيغلق خلال عام كحد أقصى، على رغم أن من يتبعه إلى لحظة كتابة هذه المقالة يتجاوزون ال 28 ألف متابع، لأنه يحيل القراء إلى موقع «العربية» لا إلى موقع الصحف الورقية المنتجة لهذه المقالات التي كلفتهم! هل يعد ذلك «سرقة»؟! ربما ليس اليوم، لكن في المستقبل القريب. وبالمنطق ذاته فإن خدمة الرسائل القصيرة على الهاتف المحمول التي تنقل عن الصحف الورقية ولو مع إشارة إليها، ستعتبر «سرقة» حتى ولو عن جهل، يوماً ما قريب جداً. يستدعي ذلك، حديثاً آخر مشابهاً، يتمثل في نقل موضوع من الصحف الورقية مع تغيير بسيط في الصياغة أو العنوان، وذكر المصدر في الفقرة الثانية أو الثالثة عادة! هل يسمى هذا «احتيالاً»؟! «نقل المواضيع» سيعتبر «سرقة» ليست «عيني عينك»، لكنها ستتراجع بمجرد أن تطلب صحيفة ورقية ذلك رسمياً، أو توافق على «الاستعاضة مالياً». [email protected]