أغلب الظن أن «صحفاً» إلكترونية كثيرة تقترب من الفناء. لأنها لا تمتلك القدرة على إنتاج محتواها الخاص الذي يُميزها عن منافسيها، خصوصاً تلك التي تقدم نفسها كصحف الكترونية إخبارية. ولنا في حادثة انفجار الغاز في السعودية عبرة، إذ وحتى موعد صدور طبعات الصحف السعودية الورقية في اليوم التالي للانفجار، لم يكتب موقع إلكتروني قصة محترفة عما حدث في موقع الانفجار. واعتمدت كل تلك المواقع على البيانات الصحافية أو على النقل بالنص من صحف أكثر مهنية وخبرة! النقل أو السرقة «عيني عينك» بات سمة مواقع أو صحف إلكترونية كما تسمي نفسها! بل وبات سمة خدمات الرسائل القصيرة الإخبارية في الهواتف المحمولة! والأدعى للدهشة أن زملاء مهنة وأصحاب خبرة ومنهم من عمل في صحف ورقية ومؤسسات إعلامية كبرى انساقوا وراء مفهوم «نقل المواضيع»، واجدين لأنفسهم تبريرات واهية! ولست في صدد التشهير بهم هنا. ولعل في ذلك دلالة على أن صناعة وابتكار المحتوى في حد ذاتهما ليسا «لمن هب ودب»، بل يحتاجان طبعاً إلى معرفة ودراية وخبرة وتدريب. ويحتاجان أيضاً إلى موارد بشرية مؤهلة. لكنّ ما كان بليغ الدلالة أيضاً أنّ مناخ التبشير باحتضار الإعلام التقليدي وتحديداً «الورقي» والذي أطلقته صحف إلكترونية قليلة كسبت شعبية سريعة انفجر في وجه هذه الأخيرة، إذ نجح المبشرون ب «الإعلام الجديد»، ربما عن غير قصد في فرض تغييرات على «الصحف الورقية». من تلك التغييرات الإقرار بسطوة القنوات الرقمية وانتشارها الواسع، وعلى رأس القنوات الموقع الإلكتروني للصحيفة ذاتها، وثم مواقع التواصل الاجتماعي وخدمات الرسائل القصيرة وسواها. لا جدال فإن الصحف الورقية تأخرت وارتبكت، وتخبّط بعضها حيال: هل يكون للصحيفة موقع إخباري مستقل عن الموقع المخصص لبث مواضيع الصحيفة أم بوابة الكترونية موحدة؟ وأغلب الظنّ أنّ المرحلة المقبلة ستسجّل الكثير من عناوين التخبّط والتراجعات، لاسيّما أنّ المصروفات والمداخيل تفتح جدلاً جديداً، فيما تقترب المنتجات الورقية من أرقام توزيع يُقدّر أنّها «كارثية» في السعودية. كل ذلك يشي، في عمومه، بأنّ ما تمر به الصحف الورقية، وعلى تفاوت بينها، يصعب، إن لم يستحل، إفضاؤه إلى انسحاب من صناعة الصحافة، خصوصاً من الرقمية التي يتربّع في سدّتها هواة! كائنة ما كانت النيّات التجارية لدى القيمين على صناعة الصحافة في السعودية مثلاً، يبقى أحد أبرز الفوارق أنّ الصحف الورقية تمتلك علامات تجارية وقوة مالية وخبرات لا يمتلكها هواة نجحوا لأن السوق الرقمية كانت خالية من المنافسين الكبار. وفي آخر المطاف، يبقى أهم معيار للنجاح هو إنتاج محتوى مبتكر ذي صدقية عالية، لا يقتات على القص واللصق والسرقة «عيني عينك» من مُنتج محتوى آخر، ولا يكتفي ببيانات صحافية تصدر من هنا أو هناك. إذ إن تصرّفات كهذه، القص واللصق والسرقة «عيني عينك» وسواها، هي المعادل لاستيلاء بعض المواقع الإلكترونية إذا ما كان أكثرها على حصة من الزوار في السنوات الماضية. وإذا لم تستفد الصحف الإلكترونية التي حققت شعبية لا بأس بها في فترة سبات «الكبار»، من تلك الشعبية، وبدأت في التحول إلى مؤسسات صحافية ولو صغيرة تنتج محتوى محترماً، وتحترم حقوق الملكية الفكرية لمحتوى منافسيها الكبار والصغار، فإنها ستشهد على فنائها من حيث لا تدري. يبقى أن وزارة الثقافة والإعلام صار مناط بها دور تاريخي، يتمثل في ضرورة إيجاد نظام عملي وفعال يحمي منتجي المحتوى كافة من الطغيان الأكثريّ المتمثل في سرقة المحتوى «عيني عينك». [email protected]