من داخل أروقة الصحافة الورقية قدم بقوة وأسس موقع إخباري شامل، موقع المفكرة الإعلامية www. themedianote.com، هذا هو ياسر الغسلان متحدث جيد ترتاح للحديث معه ومتمرس في الصحافة يعجبك طرحه، تحدثت معه في هذا الحوار الشيق حول المواقع الإخبارية الإلكترونية من حيث الفكرة والمحتوى والرقابة والمصداقية، وأترككم مع نص الحوار: * انتشرت في الفترة الأخيرة المواقع التي تتابع الأخبار بشكل عام كيف ترى وجودها ومحتواها؟ - لا شك في أن وجودها يأكد أننا نعيش في عصر المعلومات والمعرفة وأن الإنسان أصبح اليوم أكثر من أي زمان مضى شغوفا بالمعلومة وطالبا لها مهما اختلف الزمان أو المكان، وقد قامت هذه المواقع في مجتمعنا السعودي بعمل كبير من حيث أنها أصبحت تعمل كرقيب اجتماعي على كل الممارسات والأعمال التي تحدث في المجتمع والتي كنا وربما لازلنا نتحسس من التطرق لها على اعتبار أنها قد تمس فردا أو عادة تعودنا عليها، ولكن قامت هذه المواقع والتي في أغلبها ليست محسوبة على توجهات جماعية بقدر ما هي مجهودات لمهتمين أفراد أو جماعات صغيرة تهتم بنشر الخبر متجردين من العاطفة والحساسيات الرسمية وهي عوامل أثرت لسنوات في تقدم إعلامنا المحلي نظرا لكثرة "التابلوهات" وتحكم عقلية الرقيب المتوجس من أي شيء. أما محتواها فبعضها مواقع تنفرد بعمل صحفي احترافي وبعضها الآخر يعتمد عقلية الصحافة الصفراء والتي لا تسمن ولا تغني من جوع، ولكن لا بأس في رأيي في ذلك فوجود الغث والسمين في هذا الفضاء الإعلامي الإلكتروني يجعلنا كمتلقين أقدر على اختيار ما نريد وأكثر تمكنا من معرفة المفيد من الغير مفيد وتجعل من عقولنا أدوات تعمل وتحلل وتختار وذلك في احتفالية إنسانية طالما كانت مغيبة بسبب وجود النمط الواحد والخط الواحد والرأي الواحد. * هل تثري هذه المواقع المحتوى العربي على الإنترنت؟ - نعم تثريه وتغنيه بمواد تعبر عن موازاييك المجتمعات العربية، فقد أظهرت لنا هذه المواقع أوجه لم نكن نعلم وجودها في عالمنا العربي وشرّحت لنا طبيعة ثقافتنا العربية المعاصرة والتي بفهمها استطعنا أن نتجاوز مشاكلنا أو على الأقل نسعى في ذلك الاتجاه، فالمنتديات الشبابية والثقافية أخرجت لنا عقولا عربية متحركة ومتفاعلة ترغب في أن تؤثر وأن تتأثر بدلا من واقعنا في الماضي عندما كان الإنسان منا يصل لرجولته وهو لا يستطيع أن يناقش مديره أو أخاه الأكبر وأن يعبر عن ذاته وقناعاته، فالمحتوى العربي على الإنترنت في تقديري كان له الأثر الأكبر في تحريك العقل العربي من جموده وأنتج لنا صورة إنسانية ربما لم نكن نعلم حقيقتها إلا عندما قرأناها. * أغلب هذه المواقع قائمة على مجهود أفراد، كيف ترى ذلك؟ - جميع المشاريع التجارية والثقافية كانت في البداية مجهودات فردية وهو أمر لا يعيبها البتة، بل على العكس فهو دليل على أن الفرد في مجتمعنا أصبح يتحرك بمعزل عن ما يمكن أن يكون ثقافة اجتماعية محبطة تتجاهل الفردية وتعتبرها خروجا عن الجماعة بالضرورة، هذه المجهودات الفردية أنتجت لنا عالميا مايكروسوفت وغوغل والماكنتوش، كما أن هذه الفردية أخرجت لنا الدكتور زويل ونجيب محفوظ وجبران خليل جبران. تعاملت مع كثير من الشباب المتحمسين للثقافة الإلكترونية وقد وجدت فيهم جميعا نوابغ للمستقبل، فشاب في مقتبل العمر يناقش ويحلل واقع بلادنا بعقلية دكتور سياسية ما هو إلا مؤشر على أن هذه الفردية أنتجت لنا جيل مقدام قادرا على إحداث الفرق. أعرف كثير من المواقع التي لها صيت في المجتمع السعودي يديرها أفراد معدودين ولكنها استطاعت أن تصل لأكبر قدر ممكن من المتابعين وقد تحقق لهم ذلك في تقديري لأنهم تجاوز مسألة أنهم أفراد قلائل وركزوا على أهم عنصر في العمل الإعلامي وهو الاحترافية والحيادية قدر المستطاع والموضوعية لأقصى حد، وهي عوامل تكفل النجاح بصرف النظر عن أي اعتبارات. * يلاحظ على هذه المواقع إعادتها لنشر المواد الإعلامية المنشورة في المواقع الإلكترونية للصحافة الورقية، ما رأيك؟ - أعتقد أن ذلك مرده لأكثر من سبب، أولها أن حجم الأخبار والحراك الاجتماعي والثقافي والسياسي وال...إلخ في العالم العربي في أساسه محدود، فنحن بلاد تعتبر الأخبار الصالحة للنشر محدودة على مدار اليوم خصوصا مع انخفاض المحتوى المتخصص وعدم وصوله بعد لمستويات تقارع المحتوى العام كما هو في الدول المتقدمة إعلاميا، أما السبب الثاني في تقديري هو أن المحرر الذي يتعامل مع المحتوى الإخباري الإلكتروني وعلى الرغم من أنه تجاوز عقلية الرقيب بالمقارنة بالمحرر التقليدي إلا أنه لازال عقله يتحرك في حدود الرقابة العامة لمحيطه الكبير أو الصغير فتجده لا يفضل نشر خبر معين خوفا من توبيخ قريب أو نقد مسؤول وإن كان ذلك بحدود أقل من ما قد تجده في الصحافة التقليدية، وثالث الأسباب في تصوري استسهال إعادة صياغة الأخبار خوفا من النعت بأنه سارق بتصرف لتلك المادة الصحفية أو تلك فيفضل نشرها كما هي مع الإشارة للمصدر أما السبب الأخير فأعتقد أنه ناتج عن الحرص على إعطاء كل ذي حق حقه من الناحية الأدبية والابتعاد عن ما تقوم به بعض المواقع من سرقة المواد وتجييرها لذاتها وهو تصرف للأسف منتشر بين مواقع معينه أصبحت معروفه لدى المتابع. واجهة موقع المفكرة الإعلامية * وكيف تقيم مصادر الأخبار لهذه المواقع؟ - غالبية مصادر الأخبار لتلك المواقع تعتمد على المشتغلين فيها من خلال أصدقائهم أو أقاربهم إلا أن هناك مواقع تجاوزت ذلك بأن وظفت متعاونين لها يعملون في المؤسسات الحكومية الحساسة بهدف تسريب الأخبار التي تصلهم بحكم عملهم، كما أن هناك بعض المواقع التي تتعامل مع مصادرها من منطلق العمل الصحفي الإحترافي وذلك بأن فرغت صحفيين مهنيين يتعاملون مع الخبر كما لو كان سينشر في وسيلة تقليدية حيث المهنية والمصداقية والحيادية والدقة هي السمات الأساسية لما ينقلونه لقرائهم ولا شئ غير ذلك. * المصداقية في هذه المواقع، ما رأيك بها؟، وكيف تنصح متصفحي الإنترنت في التعرف عليها؟ - المصداقية في هذا الصدد تعد مسألة حساسة خصوصا إذا كان المقصود بالمصداقية توافق الخبر مع قناعات المتلقي كما هو متعارف عليها لدى عامة الناس، فقد اعتبرت بعض المواقع ذات مصداقية فقط لكونها تدعم توجها معينا وتعارض توجها آخر، وهي مصداقية في تقديري غير حقيقية، المصداقية أراها هي تلك التي تتوافق مع مخرجات معلوماتية تبتعد بشكل كبير عن الأجندات الشخصية والقناعات الثقافية والتوجيهات الرسمية وبعد أن تمحص وتحلل وتقارن بما ينقل في مواقع ومصادر أخرى لمعرفة مدى دقة ما نقل يمكننا أن نطلق حكما عاما على ذلك الخبر أو ذلك التقرير أنه ذات مصداقية، لتكرر هذه العملية في أكثر من حاله للوصول لإطلاق حكم عام بعد أن يثبت أن تلك الوسيلة لم تخرج عن الحقيقة بإثباتات الوقائع من المصادر الأخرى. * ما مصير مواقع الصحف الإلكترونية الورقية بوضعها الحالي، وهل المواقع الإخبارية تنافسها أم العكس؟ - للأسف في عالمنا العربي هناك فهم خاطئ لواقع وطبيعة الصحيفة الإلكترونية الخاصة بالصحيفة الورقية، فهي لا تعدو أن تكون نسخة إلكترونية لما هو مطبوع على الورق بينما الممارسة العالمية في هذا المجال تضع النسختين في وجه بعضهما من حيث المنافسة والتصارع على الأسبقية في نقل الخبر رغم أنها تحافظ على تحالفها في وجود جوامع مشتركه بين النسختين. لقد قلتها في أكثر من مناسبة أن الصحف الإلكترونية للصحف الورقية في عالمنا العربي هي بروشورات إلكترونية عديمة الطعم واللون والرائحة، فالمحتوى المكتوب للصحافة الورقية لا يمكنه أن يصل بالشكل الصحيح لمتلقي إلكتروني يبحث عن المادة القصيرة والسريعة والمعبرة بالصور والشروحات والروابط الإرشيفية وما إلى ذلك من آليات يتسم بها المحتوى الإلكتروني، فهما محتوان مختلفان جذريا من حيث الصياغة والإخراج والتناول والوسيلة. المنافس الحقيق في الفضاء الإلكتروني الإخباري هو ذلك الذي يوازن ما بين المحتوى المصاغ للقارئ الإلكتروني والذي يتسم بالمصداقية والسرعة في الوصول والمواظبة على التحديث أولا بأول. * تحاول وزارة الثقافة والإعلام جاهده تنظيم المواقع الإخبارية الإلكترونية، فهل تستطيع ذلك؟، وهل ذلك يفيد المواقع الإخبارية أم سيحجم دورها؟.. - لا أعتقد أن الوزارة تستطيع أن تنظم المواقع الإلكترونية وفق المعلومات التي أعلنتها مؤخرا، فالتعاطي مع تلك المواقع بذات العقلية التي تتعامل فيها مع الوسائل الورقيه لن ينجح مهما حاولت الوزارة إما من خلال سن قوانين أو تشريع نظم رقابية وذلك مرده في تقديري لانعدام ركائز أساسية في مسألة الرقابة والتنظيم منها المكان (بالمواقع الإلكترونية قد تصدر من أي بقعة في الأرض) كما أن الآنية وكثرة المواد المنشورة سيأدي بدون شك لتجاوزات لا محالة، كما أن تعليقات القراء هي جزء من صميم المحتوى لأي صحيفة إلكترونية وأحد أسرار استمرارها ونجاحها في حال لم تطبق رقابة صارمه عليها وبالتالي فلا أعلم كيف ستتعامل الصحف الإلكترونية ولا الوزارة مع تلك التعليقات. كما أن الحصول على تصريح لإصدار صحيفة إلكترونية يتنافى مع منطق الصحافة الإلكترونية التي انطلقت أساسا لمواجهة تقصير وسائل الإعلام التقليدية وانخفاض معدل حرية التعبير فيها، كما أن معظم المشتغلين والمتابعين للصحافة الإلكترونية هم من الجيل الذي تجاوز قبوله لفكرة الرقابة العقيمة وبالتالي فغالب الظن أنه سيرفض رفضا لا محالة أي محاولة تحد من حرية حركة تلك المواقع واعتبارها منافذ غير مراقبه للتعبير عن همومهم وتطلعاتهم. ولا شك في أن تطبيق أي نظام يحد من حرية حركة الصحف الإلكترونية باعتبارها رقيبا شعبيا على مؤسسات وثقافة الدولة سيأدي بدون شك لا إلى تحجيمها فحسب بل إلى تحطيمها وإلغاء دورها.