معظم المحللين السياسيين لا يستطيعون تحديد مسارات ومآل الأزمة السورية، حيث تأتي كلها في إطار التصورات والاحتمالات. فالبعض يتحدث عن حرب أهلية، تفتت الدولة والمجتمع، فيما يرى البعض الآخر، أن سقوط النظام مسألة وقت، ستفضي بالضرورة إلى الديموقرطة، فيما يتخوف آخرون، من وصول قوى راديكالية إلى الحكم، وهناك من يرى بأن النظام سيتجاوز المؤامرة، ويخرج أقوى مما كان! كل هذه الرؤى والتصورات، تقوم على أربعة مرتكزات هي: «الشعب، النظام، المعارضة، الخارج»، حيث تتحمل مجتمعةً، مسؤولية استمرار أو انتهاء الصراع. لذلك يجب التعاطي معها بتأن، بغية الوقوف على حقيقة ما يجري، وما يراد له أن يجري، انطلاقاً من سؤال أساسي يتعلق ببداية الحراك، وهو: هل كان الحراك العربي عفوياً أم مخططاً له، من قبل مراكز صنع القرار، في السياسات الإستراتيجية الأميركية ؟ وإذا كان عفوياً، فهل بقي كذلك! أم أن هذه الأخيرة قد تحكمت في توجيه دفته، ليتوقف في سورية مرحلياً؟ في كلا الاحتمالين ثمة دور فاعل للولايات المتحدة وحلفائها. تأسيساً على ذلك، نحاول معرفة كنه الأزمة، من خلال مقاربة هذه المرتكزات. والبداية مع الشعب، ذلك الحاضر الغائب عن المصالح الفعلية، لدى النظام والمعارضة والخارج، كون هذه الأطراف تتناوله بطريقة طفولية وطوباوية، أقرب للأدبيات السياسية منها إلى العمل السياسي الرصين، مما يوحي بعدم نضجه، حيث الجميع يتحدث باسمه ويتدارى خلفه، فيما الحقيقة المضافة، لا يعدو كونه دافع الضرائب الوحيد لسياسات نخبه. وهنا لا يصح القول «إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر»، على اعتبار ان شعوبنا تقدم الآخرة على الحياة الدنيا، كما أن كثيراً من الشعوب والقوميات واللغات قد اندثرت عبر التاريخ، لأسباب: ذاتية - داخلية وموضوعية -خارجية. فنجاح الحروب والثورات وأيضاً الهزائم رهن قياداتها. وفي حال تعذر النصر، تكون التسوية بالمفهوم البراغماتي أفضل الممكن، وهذا ما ينقص المعارضة السورية، حيث يحضر التشدد وتغيب المعقولية السياسية. فبعد فشل المجلس الوطني في تحقيق ما كان يصبو إليه، أًجبر على إعادة هيكلته كمقدمة لإنشاء كيان سياسي جامع، يمثل معظم قوى المعارضة، فكان مؤتمر الدوحة، والذي تمخض عنه تشكيل «الائتلاف الوطني للقوى الثورية والمعارضة» بقيادة الداعية الإسلامي أحمد معاذ الخطيب، وما إن أًعلن عن هذا التشكيل حتى بادرت فرنسا للإعتراف به ثم الولاياتالمتحدة في شبه اعتراف، وفي اليوم الثاني حظي الإتلاف بالاعتراف كممثل شرعي للشعب السوري، من قبل مجلس التعاون الخليجي، تبعه اعتراف الجامعة العربية. وهنا على الائتلاف أن يسأل عن السر الذي دفع دولاً كالعراق والجزائر ولبنان، للموافقة على البيان الختامي، بعد أن كانت متحفظة؟. طبعاً من دون أن ننسى الترحيب المشروط للإتحاد الأوروبي. هذه الخطوات مجتمعةً، تحاكي السيناريو الليبي، كما جاء على لسان حمد بن جاسم في المؤتمر الصحافي. والمضحك المبكي في الأمر هو اتفاق داعمي الإئتلاف، مقابل استمرار الانقسام والخلاف في صفوف المعارضة، إذ وصل حد الصدام والتخوين، وهو ما عبّر عنه معارضون سابقون في المجلس الوطني مثل عمار القربي ومرح بقاعي، وصولاً لأعضاء من المجلس منهم الدكتور رضوان زيادة، حيث اتهموا الائتلاف بالإقصاء وسيطرة الإسلاميين عليه، ناهيك عن موقف هيئة التنسيق الوطنية، المعارضة لكل ما جرى في مؤتمر الدوحة وما تمخض عنه. أمام هذا المشهد المزري الذي نتج عن عملية إنشاء الائتلاف، ومحاولة تسويقه كممثل شرعي ووحيد للشعب السوري، يتضح حجم الإرباك الناتج عن التسريع في إنهاء الملف السوري، فحصر الشرعية بطرف واحد بعينه، هو انتهاك لأبسط قواعد الديموقراطية، حيث المطلوب إيجاد واقع جديد، يراهَن عليه كمحاولة أخيرة لحل الأزمة، تحت مسمى تشكيل حكومة انتقالية تمهد الطريق لإسقاط النظام. وهنا يقع على كاهل الائتلاف تحديان أساسيان: الأول يتمثل بنجاحه في تشكيل حكومة انتقالية، والثاني يكمن في تحقيق تقدم عسكري على الأرض. مما يعني أننا سنشهد مزيداً من العنف في الأسابيع القادمة. في المضمون، لم يتغير الخطاب السياسي للائتلاف عن خطاب المجلس الوطني. فالذي تغير، هو جرعة الوهم المضافة، وبقليل من التدقيق بكلام الرئيس أوباما بعد إعادة انتخابه، من أنه لا يسعى لحروب جديدة وأنه سيتجه للداخل، نجد أننا أمام سياسية جديدة، تقوم على قطيعة مع ولايته الأولى. وليس بعيداً عن أميركا، ها هي حليفتها تركيا التي طالبت بنقل المجلس الوطني إلى الداخل السوري، تغيب عن مؤتمر الدوحة واجتماع الجامعة!، كما يشكو ويحذر رئيسها، من استخدام النظام السوري للأسلحة الكيماوية ضدها، في وقت يضرب فيه الطيران السوري، مدينة رأس العين المتاخمة للحدود التركية!. وعليه فإن ما يجري، ليس سوى توريط نهائي للمعارضة المسلحة، ومن يقف خلفها في أوروبا والمنطقة، استناداً لتفاهم روسي- أميركي، يحصر الحرب في سورية وليس عليها، وذلك على خلفية «أمن إسرائيل من أمن سورية»، مما يعني فوز الأسد ولكن بكلفة باهظة، حيث تتخلص روسيا من جهاديي الشيشان ووسط آسيا، والشيء ذاته مع الدول التي تناصبه العداء. أمر تدركه وتتحاشاه قيادات هيئة التنسيق، لذلك نراها تتجنب الحديث بالاسم عن الأسد، في معرض مطالبتها بإسقاط النظام!. فالأطراف الساعية للسيطرة على منابع الغاز وطرق نقله، ستتعامل في نهاية المطاف مع من يبسط سيطرته. وإلى أن يتعب المحاربون، ستبقى هذه الأطراف تتسابق كالفيلة، بين المكونات الخزفية للمجتمع السوري، حيث لا ترى في سورية سوى دولة تفيض بالعشوائيات والبشر. وعليه يجب هدمها وإعادة بنائها، تحت شعارات إنسانية نبيلة. وهو ما يفسر إحجام المتحاربين، عن ذكر الأرقام الحقيقية للضحايا، والتي تتخطى عشرة أضعاف ما يُعلن عنه، بذريعة رفع المعنويات حتى النصر!. * كاتب سوري