دعا الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إلى نسج علاقات مع الجزائر «تتجاوز كل ما له علاقة بتاريخ مؤلم بطريقة تمكننا من التوجه بحزم إلى المستقبل»، ليضع قبل أسابيع من زيارته الجزائر حداً لآمال مفرطة من سياسيين جزائريين توقعوا طي «ملف الذاكرة» إلى غير رجعة عبر اعتذار فرنسا عن جرائمها الاستعمارية. وقال هولاند إنه يحضر لزيارته المرتقبة نهاية العام الجاري «بكثير من العناية»، داعياً إلى «استخدام التاريخ لبناء المستقبل». واعتبر في مؤتمر صحافي في باريس مساء أول من أمس أن «التاريخ يجب أن يستخدم لبناء المستقبل وليس لمنع هذا البناء». وأوضح قائلاً: «بالتالي علينا أن ننسج علاقات ندرك أنها ستكون خاصة مع الجزائر بهدف التمكن من تجاوز كل ما له علاقة بالتاريخ وبتاريخ مؤلم بطريقة تمكننا من التوجه بحزم إلى المستقبل لأنه توجد إمكانات هائلة بين بلدينا للتنمية الاقتصادية والثقافية». ويبدو أن تصور الرئاسة الفرنسية لمسألة «الذاكرة» المشتركة مع الجزائر لا يتبدل بتغير الرؤساء على الأقل منذ نهاية فترة الرئيس السابق جاك شيراك الذي كان يسعى لتوقيع معاهدة صداقة، خصوصاً مع تكرار طرح فكرة «النظر إلى المستقبل». وينظر إلى ملف «جرائم الاستعمار» باعتباره انعكاساً لعلاقات الجزائر بباريس، إذ تتصاعد حدة المطالب المرتبطة به كلما شهدت العلاقات انحداراً للأسوأ. وأعلنت الجزائر في الأشهر الماضية خطوات نحو فرنسا، فهمت منها موافقتها على فتح صفحة جديدة تتخطى «ملف الذاكرة»، بحكم اتفاق وزارتي الخارجية على جعل الذكرى الخمسين للاستقلال هذا العام نقطة انطلاق جديدة للعلاقات الجزائرية - الفرنسية. ويعتقد بأن علاقات البلدين تسير في شكل جيد على مستواها الاقتصادي ضمن تفاهمات فصلت ملف السياسة والذاكرة عن المسائل الاقتصادية. وتحول هذا الملف إلى نقطة خلاف عميقة في فترة ولاية الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي بحكم محدودية تناول المسؤولين الفرنسيين في حكومته لملف «الماضي الاستعماري»، معتبرين أن ساركوزي «كانت له تصريحات واضحة جداً حول الطابع الظالم للاستعمار» خلال خطابه في جامعة قسنطينية العام 2007. وقال هولاند إن «هذه الزيارة نترقبها ونأمل بأن تشكل لحظة فارقة بالنظر إلى العلاقة القائمة بين البلدين وبين الرئيسين». وأضاف: «نحضر لهذه الزيارة بكثير من العناية لأنه يوجد العديد من المسائل التي تهم بلدينا، الجزائريون الذين يعيشون في فرنساوالجزائريون الذين يريدون القدوم إلى فرنسا ولا يتمكنون من ذلك بسبب وجود قواعد، وهذه تهم أيضاً المستقبل والتاريخ». وكان وزير المجاهدين الجزائري محمد الشريف عباس قال إن «الأسرة الثورية» تتوقع من هولاند «التقدم باعتذار صريح عما ارتكب في حق الجزائريين» من طرف المستعمر، في تعليق له على اعتراف فرنسي محدود بتعرض تظاهرة جزائرية في باريس في 17 تشرين الأول (أكتوبر ) 1961 للقمع. وصنف عباس هذه الخطوة على أنها «اعتراف سياسي»، ما يعني توقع خطوات أخرى «أكثر جرأة».