فاجأ الرئيس الفرنسي أحزاب المعارضة الفرنسية والرأي العام الفرنسي عندما أصدر أمس الأول الأربعاء بيانا أكد فيه أن فرنسا تعترف بوضوح ب" القمع الدامي " الذي تعرض له جزائريون في باريس يوم السابع عشر من شهر أكتوبر عام 1961 كانوا يتظاهرون للدفاع عن استقلال بلادهم . وأضاف الرئيس الفرنسي يقول في البيان إنه يترحم على أرواح ضحايا هذه المذبحة التي تشكل وقائعها محطة أساسية من محطات ذاكرة العلاقات الجزائرية الفرنسية خلال الحقبة التي احتلت فيها فرنساالجزائر أي من عام 1830 إلى عام 1960. ففي ذلك اليوم تظاهر آلاف الجزائريين في باريس احتجاجا على منعهم من التجول في الليل. ولكن موريس بابون محافظ المدينة في ذلك الوقت أمر بقمع المظاهرة. فعمدت قوات الأمن إلى قتل كثير من المتظاهرين قدر عددهم بالمئات حسب المؤرخين. وأصيب المئات الآخرون بجروح بليغة بسبب الهراوات الغليظة التي كان يستخدمها رجال الأمن. بل تؤكد بعض الروايات أن من القتلى من غرقوا في نهر السين على مرأى ومسمع من رجال الأمن والمارة بعد إصابتهم بالرصاص عندما كانوا يتظاهرون على بعض جسور النهر الذي يشق العاصمة الفرنسية. ولكن السلطات الفرنسية لم تقر إلا بهلاك ثلاثة أشخاص خلال تلك المظاهرات. بل إنها ظلت دوما تتحاشى الحديث عنها وتتكتم عليها. وهو ما أكده الرئيس الفرنسي الحالي فرانسوا هولاند العام الماضي خلال حملته الانتخابية. فقد حرص يوم السابع عشر من شهر أكتوبر الماضي على الترحم على أرواح ضحايا هذه المذبحة من على أحد جسور فوق نهر السين في شمال العاصمة الفرنسية إلى جانب كثير من الفرنسيين من أصل جزائري ومهاجرين جزائريين مقيمين في فرنسا. وقال إن وقائع المذبحة أقصيت عمدا من تاريخ فرنسا. وإذا كانت الخطوة التي أقدم عليها الرئيس الفرنسي قبل يومين قد لقيت تجاوبا كبيرا لدى أعضاء الجالية الإسلامية والفرنسيين من أصل عربي والأحزاب اليسارية ، فإن كثيرا من قياديي أحزاب اليمين التقليدي والمتطرف حملوا عليها وعلى الرئيس الفرنسي . ففرانسوا فيون رئيس الوزراء السابق الذي يسعى إلى قيادة حزب " الاتحاد من أجل حركة شعبية" عما قريب قال أمس في إذاعة " أوروبا واحد " إنه يجب أيضا التنديد حسب رأيه بالممارسات التي صدرت عن الجزائريين بحق الفرنسيين أيام كانت بلادهم محتلة من قبل فرنسا وتلك التي أتوها ضد " الحركة " أو " الحركيين" أي الذين تواطأوا من بين الجزائريين ضد الشعب الجزائري مع المحتل وطرد الكثير منهم بعد استقلال الجزائر أو هربوا إلى فرنسا. أما كريستيان جاكوب رئيس كتلة حزب " الاتحاد من أجل حركة شعبية" اليميني في مجلس النواب فإنه رأى أن اعتراف هولاند بالمذبحة يعني الإساءة إلى سمعة رجل الأمن الفرنسي وإلى الجمهورية الفرنسية. ولكن غالبية المحللين السياسيين رأوا في هذه الخطوة سابقة في تاريخ الذاكرة الفرنسية الجزائرية وموقفا سياسيا ذكيا من قبل هولاند لفتح صفحة جديدة في العلاقات الجزائرية الفرنسية التي ظلت دوما بين مد وجزر والتي توترت بشكل خاص عام ألفين وخمسة عندما سن قانون في فرنسا يمجد الاستعمار ويعتبر أن لديه جوانب إيجابية مما أثار حفيظة حزب "جبهة التحرير الوطني" الذي طالب فرنسا بالاعتذار عن الجرائم التي ارتكبتها بحق الجزائريين وإبداء الندم . وإذا كانت فرنسا قد تراجعت عن هذا القانون فإنها لم تعتذر حتى الآن عن ممارساتها تجاه الجزائريين خلال فترة الاستعمار. وهناك قناعة اليوم لدى المحللين بأن الطريقة التي يتعامل من خلالها الرئيس الفرنسي الحالي من شأنها تسهيل إبرام معاهدة صداقة بين البلدين أو على الأقل إعادة تنشيط العلاقات بين البلدين . وستكون الزيارة التي سيقوم بها فرانسوا هولاند إلى الجزائر في مطلع شهر ديسمبر المقبل محطة هامة لدفع عجلة العلاقات بين البلدين على مستويات كثيرة.