«فسخت خطبتي بسبب أسعار الشقق في رام الله». بهذه العبارة اختصر فراس سعد الدين الذي يعمل في إحدى شركات القطاع الخاص ظاهرة ارتفاع أسعار الشقق في الضفة الغربية عموماً، وفي رام الله خصوصاً، لكونها باتت «العاصمة الاقتصادية» للأراضي الفلسطينية، حيث المؤسسات الرسمية والأهلية والمشاريع الاستثمارية الكبرى، ما جعلها موطناً ليس فقط لأهلها الأصليين، الذين باتوا قلة، بل للفلسطينيين من مختلف محافظات الضفة الغربية. وقال سعد الدين: «حين خطبت الفتاة التي أحببتها في الجامعة، وعدت أسرتها بشراء شقة في رام الله حيث أعمل وتسكن أسرتها منذ عقود. تخيلت الأمر سهلاً، لكن كلما ادخرت مبلغاً من المال، سبقتني الأسعار، وبالتالي لا يعود ما أملكه كافياً كدفعة أولى. وبعد عامين فسخنا الخطوبة بضغط من أسرتها». وأضاف: «منذ الانتفاضة الثانية وانتقال الآلاف من مدنهم للعيش في رام الله ارتفعت أسعار الشقق بشكل كبير، وبات السكن في رام الله حلماً صعب المنال». وعن هذه الظاهرة قال الباحث في معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني «ماس»، إبراهيم أبو هنطش إن «هناك طلباً وعرضاً كبيرين على السكن في مدينة رام الله، لكن المشكلة تكمن في التباين بين أسعار المعروض وقدرة المشتري من القطاعين العام والخاص على الشراء. فمثلاً الشقق السكنية في المدينة يبلغ معدل سعرها 160 ألف دولار، في حين أن إمكانات المشتري لا تتعدى 100 ألف دولار وهي بطبيعة الحال عبر القروض البنكية». وأضاف ابو هنطش أن «عدم الالتقاء بين العرض والطلب، سيؤدي إلى وجود شقق فارغة كثيرة». وتابع: «كثيرون يقبلون على الاستثمار في العقارات، لأنها آمنة ومستقرة، والربح فيها يتراوح بين 70 و100 في المئة في بعض المناطق»، مشيراً الى أن أسعار الشقق في الاحياء الجديدة تصل إلى 100 ألف دولار، وهي أقل قليلاً من الأسعار داخل رام الله. وأوضح ان من الممكن أن تنخفض أسعار العقارات في فلسطين بشكل عام، بفعل الظروف السياسية التي قد تواجهها السلطة الفلسطينية في الفترة المقبلة، والتي قد تؤثر في إمكانات الموظفين في القطاع العام والأهلي. وأضاف: «الأزمة المالية الحالية أثرت كثيراً في الطلب، وتحديداً لدى شريحة الموظفين في القطاع العام، وهي الشريحة التي ترغب في شراء الشقق»، بخاصة ان البنوك أصبحت تتردد في منح القروض في ظل عدم الثبات في صرف رواتب الموظفين. وأشار ابو هنطش إلى أن هناك فوضى في قطاع تمويل العقارات، إذ «يتابين حجم القروض ونسب الفائدة، وثمة معوقات تحد من عمل سلطة الأراضي الفلسطينية، حيث الكثير من الأراضي غير مسجلة، بخاصة في مناطق «ج» الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية الكاملة، ما يضع أي بناء تحت طائلة الهدم، لكن هناك أراضي في منطقة «أ» غير مسجلة، ولأسباب ذاتية، اضافة الى تشدد البلديات في الترخيص لبناء العمارات والمنازل». وقالت مديرة المخاطر في «شركة فسطين لتمويل الرهن العقاري»، إيمان العبد: «ثمة انخفاض نسبي في طلب القروض من جانب الموظفين منذ العام 2009، ووفقاً لخبرتنا في المجال، فإن السبب يعود لعدم انتظام صرف الرواتب». وأضافت: «لا يوجد قانون للرهن العقاري لغاية الآن في فلسطين، فالبنوك تتبع في هذا الأمر تعليمات سلطة النقد، وسياسة البنك الداخلية، ما يؤدي إلى تباين في حجوم القروض، والفائدة الممنوحة في مجال الرهن العقاري». وقال الخبير في مجال العقارات جمال النتشة: «الأسعار قفزت إلى أرقام فلكية، فقد ارتفعت أسعار الشقق في ضاحية المصيون، من 130 ألف دولار في 2010 إلى 180 أو 200 ألف في 2012، والأمر ذاته ينطبق على حي الطيرة، وليس هناك ما يبرر هذا الإرتفاع، كما أن إيجار بعض الشقق يصل إلى 1500 دولار». وتوقع النتشة أن تتلاشى هذه «الفقاعة العقارية»، إذ يوجد بناء كثير في منطقة رام الله يفوق ما يطلب بأسعار خيالية، لكن عندما لا يلاحظ صاحب العقار ركود حركة البيع وأن شقته فارغة من دون تأجير، سيجبر على تخفيض أسعاره. في غزة ممنوع البناء أما في غزة، فالصورة مختلفة، لأن العائق ليس ارتفاع أسعار الشقق كما في رام الله، بل في الحصار المفروض على القطاع، وهو ما دفع الشاب منجد أبو هلال الى تأجيل حفلة زفافه أكثر من مرة، لعجزه عن تأمين مواد البناء اللازمة لإتمام منزله «المال موجود لكن لا يوجد اسمنت ولا بلاط ولا الومنيوم. الحصار ذبحنا. تدبّرت بعض المواد من تجار الأنفاق، ولكن يبقى الكثير». وقال الباحث في وحدة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في «المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان» الدكتور فضل المزيني أن القضية تمس حياة شريحة عريضة من الفلسطينيين في قطاع غزة، بخاصة مع تعثر جهود إعادة إعمار الممتلكات والأعيان المدنية. وأشار المزيني إلى الأسباب التي أدت إلى أزمة السكن، وأهمها تدمير قوات الاحتلال آلاف المنازل والوحدات السكنية، والنمو الطبيعي للسكان في ظل استمرار إغلاق المعابر وعدم السماح بتوريد مواد البناء. وأشار أمين سر إتحاد المقاولين الفلسطينيين المهندس هاشم سكيك إلى أن توقف الإنشاءات جراء الانقسام الداخلي المستمر بين غزةورام الله، وغياب التنسيق بين الحكومتين، فاقما أزمة السكن في القطاع، مطالباً بالشروع في بناء المصانع الإنشائية، وتأهيل العمالة الفنية المدربة للرقي بواقع السكن في القطاع.