أصبحت لافتات شقق سكنية للتملك؛ أمراً ملاحظاً في جميع الأحياء الناشئة في أنحاء الرياض؛ ورغم ان فكرة تملك شقة سكنية لم تكن مقبولة تماماً قبل سنوات مضت؛ إلا أنها غدت هدفاً لكثير من الشباب المتزوج حديثاً، وكذلك من السيدات العاملات في وظائف ذات دخل جيد. هذا التحول الذي فرضته متغيرات؛ اقتصادية، ثم اجتماعية، وكثير من الأحيان أمنية – على اعتبار أن الشقق أكثر أمانا من الفلل – دفعت بكثير من المطورين والأفراد إلى توطين وحدات سكنية على هيئة شقق مختلفة المساحات. ورغم موجات الشراء المحمومة التي ركزت على شراء العمائر المعدة للتأجير، للاستفادة من الدخل الثابت، كعوائد سنوية تتراوح أرباحها بين 8.5 % إلى 10%، إلا أن العمائر المعدة كشقق سكنية للتملك تعتبر من السمات الواضحة على المشهد العقاري السكني المحلي؛ خاصة في المدن الكبرى. وتعد الشقق السكنية خياراً استراتيجياً للمتزوجين حديثاً ومحدودي الدخل والأسر الأقل عدداً، خصوصاً مع ارتفاع أسعار الإيجارات، الأمر الذي دفع بالمواطنين لتملك شقق بنظام التقسيط ولو بفوائد عالية هروباً من الارتفاع المتصاعد لأسعار الشقق وعدم الثبات على أسعار محددة. وتحتاج شريحة كبيرة من المواطنين والمقيمين في مدن مثل الرياض ومكة المكرمة والمدينة المنورةوجدة والدمام والخبر والمدن الاقتصادية الجديدة إلى وحدات سكنية تمثل الشقق النصيب الأكبر منها. وتستحوذ مشاريع الوحدات السكنية في المملكة على 75 % من إجمالي النشاط العقاري، وهناك حاجة لاستثمار 20 مليار دولار لاستيفاء الطلب السنوي على الوحدات السكنية حتى عام 2020. ما يجعل قطاع العقارات في المملكة يواجه تحديات حقيقية إذا فاق حجم العرض المحلي حجم الطلب على العقارات فيها. وتقدر الإحصاءات حجم قروض الرهن العقاري والتمويل على عملاء البنوك وشركات التمويل والتقسيط في السوق السعودي في الوقت الحالي بنحو 10 مليارات ريال. وتعتبر مشكلة تملك المساكن في السعودية تمويلية من الدرجة الأولى، وغياب التشريعات والأنظمة من الدرجة الثانية. ويستطيع الفرد في أي دولة من الدول المحيطة تملك سكن من معاشه الوظيفي في أقل من 10 سنوات، بينما في السعودية لا يستطيع الفرد أن يتملك سكنا إلا بأسعار فلكية مخيفة وغير منطقية ولا يستطيع كل الأفراد دفع ثمنها خصوصاً من ذوي الدخل المحدود، فما يحدث أن يعمل موظف 20 عاماً ولا يمتلك خلال هذه المدة سكناً فلا يجد الأمان المعيشي في سكنه وينتقل من منزل إلى آخر بالإيجار مع كل ارتفاع في الأسعار. وقدرت دراسة حديثة الطلب على الإسكان في السعودية ب 2.425.000 مسكن، خلال الفترة من 2005 - 2025 م، ويتضح من ذلك مدى الحاجة إلى تطوير العديد من المخططات السكنية والمساكن. وكشفت الدراسة أن الشقق السكنية تعد النوعية الأكثر رغبة من قبل السعوديين في الآونة الأخيرة، متجاوزة كل الأنواع الأخرى من المساكن، والذين وجدوا فيها ملاذا في ظل ارتفاع أسعار الأراضي وتكلفة البناء. وأوضحت البيانات التي أظهرتها الدراسة التي أعدها فريق بحثي برئاسة الدكتور فهد الحريقي عضو هيئة التدريس في جامعة الملك فيصل أن 66.3% من الأسر التي يقل عدد أفرادها عن خمسة أشخاص تسكن الشقق. وكانت عدة دراسات كشفت أخيرا عن توجه السعوديين لتملك الشقق السكنية في الوقت الذي توجهت فيه شركات التطوير العقاري لبناء شقق تمليك لتغطية الطلب الحقيقي عليها. وكان عدد من العقاريين أكدوا أن الشقق السكنية ستفرض نفسها على غيرها من الوحدات السكنية وأن تملكها سيصبح خياراً أولياً لمتوسطي ومحدودي الدخل. ورفع حجم الطلب على المساكن في السعودية من توجه المستثمرين إلى توفير مستويات متعددة من المساكن تستهدف فئات المجتمع المختلفة، وسيطرت الشقق أو المساكن الصغيرة والمتوسطة الحجم الجاهزة على منتجات السوق المعروضة للبيع أمام المستهلكين. ولا يلبي المعروض من المشاريع السكنية متطلبات السوق المرتكزة على السكن عالي الجودة وميسور التكاليف، ما يفتح فرصاً هائلة على طاولة كل من المطورين العقاريين والمستثمرين خلال الأعوام القليلة المقبلة، على الرغم من تمتع السوق العقارية في المملكة بإمكانات هائلة، ولكن «ارتفاع تكاليف العقار يبقى التحدي الرئيسي الذي يجب عليها تخطيه». كما أن هناك عدم وجود توافق في التسعير في الوقت الحاضر، إذ يقف المشترون حائرين بين ما تقدمه السوق، والكلفة التي يستطيعون تحملها لشراء منازل لهم. وتعكف شركات التطوير العقاري حالياً على دراسة حاجة سوق الوحدات السكنية من الشقق لتركيز الاهتمام عليها في مشاريعها المستقبلية، ويطالب البعض منهم السماح بارتفاع الأدوار في المدن للبدء بضخ عدد كبير من الشقق السكنية، وربما يعطي تعدد الأدوار فرصة للحصول على شقق سكنية بأسعار أقل. ويعود سبب الاهتمام بشقق التمليك أخيرا إلى تكلفتها الأقل بين نظيراتها من الوحدات السكنية، إضافة إلى اهتمام المطورين العقاريين ببناء نوعية جديدة من الشقق بمساحات مناسبة لاحتياج الأسر التي تضم أربعة أبناء فأقل. وأشارت دراسة إلى وجود علاقة واضحة بين الدخل الشهري للأسرة ونوع المسكن، فكلما قل الدخل ازداد الإقبال على الشقق، حيث يسكن الشقق 67.4 في المائة من الأسر التي يقل دخلها الشهري عن خمسة آلاف ريال و63.4 في المائة من الأسر التي يراوح دخلها بين خمسة وثمانية آلاف ريال و39 في المائة من الأسر التي يراوح دخلها بين ثمانية و12 ألف ريال. وبينت أن متوسط عدد الغرف في الشقق السكنية في السعودية بلغ خمس غرف فيما بلغ نصيب الفرد من مساحة الشقة 36.9 متراً مربعاً. وأوضح عقاريون أن البنوك كجهة رئيسية مسؤولة عن عدم تملك المساكن في السعودية بنسبة 60%، وقالوا "إن البنوك التي اتخمت بأموال الأفراد بنسبة 90% من المجتمع ممن يودع أموالهم، لا تقدم التسهيلات إلا بفوائد، وحالياً كل بنوك العالم بعد الأزمة الاقتصادية العالمية تقدم تسهيلات إذ وصلت فيها الفوائد صفر بينما المصارف السعودية عكس ذلك حيث رفعت فوائدها حتى 5%". ولفتوا إلى أن البنوك ليس بوسعها أن تحل مشكلة الإسكان ومواجهة هذا الطلب الكبير على المنتجات العقارية لأسباب منها أن التمويل العقاري عمل ثانوي بالنسبة لها، إضافة إلى أن اهتمامها بتقديم التمويل العقاري أخذ يتناقص تدريجياً وهذا كله يعود إلى عدم وجود نظام يضبط إيقاع العملية التمويلية. وطالبوا بقيام شركات تمويلية متخصصة برؤوس أموال عالية تستطيع أن تلبي حاجة السوق للتمويل، كما أنه سيغري البنوك التجارية في تقديم وابتكار منتجات عقارية تخدم المستهلك مما يخلق نوعاً من التنافس الصحي بين البنوك والشركات التمويلية يعود نفعه على المواطن من عدة جوانب كتسهيل الشروط والإجراءات الإدارية وتخفيض نسبة الفائدة كما سيسهم التمويل العقاري في دفع عجلة القطاع العقاري إلى الأمام ودعم شركات التطوير العقاري وزيادة إنتاجيتها وضمان بيع وحداتها السكنية نتيجة اتساع الشريحة المستهدفة لتشمل الشباب حديثي الزواج ومن هم ضمن متوسطي ومحدودي الدخل. وكانت دراسة اقتصادية أعدها مركز البحوث والدراسات بالغرفة التجارية الصناعية بالرياض في السعودية قالت إن غياب آليات التمويل الإسكاني والتشريعات الضابطة لها تمثل إحدى العقبات الهامة في عدم ظهور شركات عقارية عملاقة في السعودية، وتوفير الآليات المناسبة لمساعدة طالبي السكن في المملكة. ويقول خبراء بقطاع العقار في أكبر بلد مصدر للنفط في العالم، إن السعودية تعاني من عجز في الوحدات السكنية يبلغ مليون وحدة ويتزايد بواقع 200 ألف وحدة سنوياً، وإن نسبة ملاك المساكن بالمملكة تعادل 30 بالمائة وتعد الأدنى بين دول الخليج العربية. وأرجع عقاريون التوجه إلى تجزئة الأراضي السكنية، إلى ضعف القوة الشرائية لدى أغلب الباحثين عن مسكن بسبب شح آليات التمويل في السوق المحلي والتي على رأسها طول فترة الانتظار لقرض صندوق التنمية العقاري، إضافة إلى ارتفاع أسعار الأراضي الخاصة المطورة والتي قد تصل إلى 50 بالمائة من تكلفة المبنى إضافة إلى ارتفاع أسعار مواد البناء والعمالة. ودعوا إلى عدم الانحصار في نموذج معين لجميع الوحدات السكنية، مطالبين بإتاحة المجال لإضفاء طابع الشخصية المستقلة لكل وحدة، والمرونة في التوسع المستقبلي، والاستخدام الوظيفي بحسب رغبات المشتري، مشيرين في الوقت نفسه بأن التصميم المعماري يقدم مستويات متنوعة من التيسير في الإسكان، وذلك نظراً لكونه الخطوة المحددة لعمليات البناء التي تشكل في الغالب ثلثي التكلفة النهائية للمسكن. وطالب خبراء التطوير العقاري بضرورة تغير ثقافة شراء المساكن من قبل المواطن السعودي ليحصل على المنزل المناسب في الوقت المناسب حسب استطاعته المالية وحاجته، وذلك في الإقبال مثلا على شراء الشقق في بداية حياته الأسرية، وإمكانية بيعها في حال زادت قدرته الشرائية بما يمكنه من شراء فيلا في حال زيادة عدد أفراد أسرته مما سيوفر له عوائد مالية بعد بيعه للشقة. وانتهجت بعض شركات التطوير العقاري بناء وحدات سكنية متنوعة تتناسب وحجم الأسرة ودخلها، حيث تعتبر الشركة نموذجا واقعيا لشركات التطوير العقاري الحقيقية من خلال إعلانها عن استراتيجيتها في تطوير وتسويق الوحدات السكنية للطبقة المتوسطة. وأوضح عقاريون أن هناك أسباباً منطقية كثيرة لظهور أزمة الإسكان في المملكة بسبب أن الشباب يمثل نسبة كبيرة تصل إلى 60 % وهي الفئة العمرية للزواج والاستقرار والبحث عن مسكن كما أن الزيادة السكانية ووجودها وهجرتها إلى المدن الكبيرة شكلت عوامل مساعدة على زيادة الطلب على الوحدات السكنية سوى فلل أو شقق تمليك، إضافة إلى ضعف القدرة الشرائية للمواطنين، كما أن هناك أسباباً كثيرة أوجدت نوعا من زيادة الطلب على المساكن هو رغبة كثير من الشباب في الاستقلالية في سكن المنفصل عن الأسرة الكبيرة وهو عكس ما كان سائدا في الماضي.